ميثوبيا
بقلم : م. زينب الأسدي – العراق
طول انتظارها له؛ زاد عن طول قامته الممشوق
بعينيها دون عيون عشيقاته البشريات الوالهات لشن الحرائق إذا ما خسرن المعركة... معارك
لا رابح فيها سوى مواضعهن الساخنة.
أعتقد أن هذا ما سيصدر عن زهرة عاشقة لو أنها
فكرت بصوت عال.
من مضارب غجر الكالو جاء بها سيدها وأضافها
لمشتله مع سابقاتها من الزهور الشعبية الرخيصة.
واحدتهن نحيلة، نحيلة جدا استنزفتها نظرات
المارة، لم يتبق من عطرهن سوى ما علق بأنوف الرجال. قرب الزجاج يلتصقن، يعرضن سيقانهن
الآيلة إلى اليبس، يتنافسن لاستقطاب يد جافة، ناشفة على الأقل بعد أن يأسن من استدراج
الكف الناعمة البضة.
وغريمتهن طرية الغصن، ندية الميسم، عسلية الرضاب..
تزين بها المكان والزمان أيضا.
تشمر عن وريقات تويجها كالمشمر عن ساعديه ليلتهم
الحياة.
خمرية، تضج بالحيوية والخصوبة كأنها عصارة
أربع مراهقات غجريات... كأنها كل الفتيات مختصرات في زهرة.
فَرِحٌ بها سيدها. يضعها في الزاوية الخالية
لوحدها لتجذب زباءنه ولا ينفك عن سرد قصة مجيئه بها من بلاد الأندلس. وكان كل مرة يزيد
على القصة أو ينقص منها ويضيف لها شيئا من مكنونه المألوف بالمبالغة.
حتى كاد يقول: بأنه دخل في مزايدة علنية مع
كرستيانو وليو ميسي وربحها هو.
وعلى الأرجح هو كان يهمس لذاته بذلك ولا شك!
ولولا خوفه من نعته بالمجنون لتكرم بقص حديث نفسه.
وكلما أشار لها أحد زبائنه كان يرد: لا، الجميلة
هذه ليست للبيع هي لجذب النحلات فقط.
فرحيقها كشكلها شهي كما تعلمون فهي من إسبانيا
ويبدا بإعادة سرد القصة... حتى كادت هي تفتقد في ذاتها موطنها الأصلي فمرة ينسبها لبرشلونة
وأخرى للشبونة وثالثة لمدريد.
وذات ربيع اجتاز أحد الزبائن عتبة معرض المشتل
كان كهارب من السماء، رزين ينقل الأرض بين قدميه. لم يبد المكان مألوفا به فلو كان
كذلك لأصبح كغار محمد أو معبد بوذا أو صليب اليسوع.
ثالوث مقدس: حمامة وقلب ورب.
تهامسه في نفسها:
أيها الملاك الطارئ: في عقيدتنا نحن؛ ينحدر
الإنسان من أصول ثلاثة: جد السود، وجد البيض وجد الغجر.... وسيصبحون أربعة!
يمرر إصبعه ليمسح جبينه وبحركة وامضة سقطت
قطرة النور على قطرة من نداها المكورة كلؤلؤة واتحدتا.
كانت الرسالة السماوية قد جاء بها الزاجل،
سرى بعودها اهتزت، وربت.. أنثى ستحمل النبوة!
كانت الدعوة السرية قد أخذت طريقها أشهد أن
الحب من صلب الجلالة وأشهد أنك لي لا محالة
صارت تبث دينها له بتضرع كالشهيدة سمية ترجوه
لو رفع عن صدرها الحجر، بشزر ينظرن لها نبتات المشتل ولسان لطيفتهن يقول:
ولقد رأت هذا الإله بعينها
أنى لها يا لائما لا تعشقه؟!
تتلاشى الحواجز بين العوالم، تدنو من بعضها
وتصبح هلامية اكثر يقترب منها يشد خصرها كادت تقطفه، تراجع، لم يكن دبورا لم يكن ذكر
ذبابة حقير. وكم تمنته كذلك.. كان رجلا....
أنتِ جميلة وعذبة، جذابة ومؤثرة، لكنني لا
أريد أن ألمس طهر هذه الفتنة. بريئة أنتِ وإلهكِ ملوث، أدرانه تسبق أنبياءه.
تستحضر تراث موطنها الراقص، الرجال المنغمسين
بخيال عذريتها، الإرث الذي حملت كاهله دون رغبة.
تتساقط تويجاتها التي صهرها لهاثه الملتهب
بالشهوة والانكماش في آن، تذوي وتهمس بأنها تحبه..
إن لم يسمعها؛ هل سيتحسسها قلبه؟!
صار يعصف صامتا:
من المجحف أن يُختَصَر الحب في كلمة، حرام
أن يُقصر الحب في حرفين بينما تطول الحرب في ثلاثة.!
عنيفا كان لو نطق، سيقول أمرا يدين اللغة،
يزلزل الحواجز، ويلحد بالشرائع القاصرة؛ ولكن الزهرة الفرعونية السامة التي وضعها في
جيبه كانت ستجهر فيه نبوتها إذا ما انعتق لآلهة أخرى.