الحفل الأخير ... قصة / أ. عادل المعموري
الساعة تدقُ العاشرة مساءً، الأجسادالمحشورة في صالة الفندق تختض طرباً لمغنّيِِ شاب يمتلئ حيوية ونشاطاً ، تلك المرأة الوقور تضج بحيوية أكثر من كل المدعوين ، تتلقى التهاني ممّن حضروا عرس ابنها ، الألم القديم عاودها من جديد ، تمنح لنفسها إستراحة مؤقتة ثُمَّ تختلس لحظة لاترقبها العيون فتدسُّ حبة صغيرة تحت لسانها. تصرُّ على الوقوف خلف العروسين كلما أراد أحدهم التقاط صورة للذكرى ، تقف تظللهم بحنانها وهي تربّت على كتف ولدها كأنها تمدّه بدفق عاطفة إضافية يحتاجها فيما لوكان يحسُّ بالخجل ،
إنشغاله بعروسه جعله لايشعر بما يدور في أجواء الصالة ، الأم تجاوزت تلك الحركات الودودة المبالغ فيها تجاه عروسه أمام الناس ، فقد امتد الوجع عبر صدرها لشلّ حركة كتفها الأيسر ، سحبت كرسياً قريباً واقتعدت تلتقط أنفاسها ، فيما ظلت إبتسامة شاحبة ترفرف فوق شفتيها ، الرقص والغناء يستمران على وتيرة عالية ، جهدت أن تتماسك حتى لا تثير انتباه أحداً من المدعوين ، تناهى إلى سمعها كلمات من أم العروس أثار فضولها .
سمعتها تكلّمُ قريبتها ، حدًّست أن الحوار بين المرأتين يخصها هيَ ،عيون المرأة كانت تحملق فيها خلال الهمس الدائر بينهما ، حاولت طرد الأفكار والهواجس من رأسها ، التفتت تنظر إلى المغنّي الشاب وهو يصدح بصوته وسط الموسيقى الصاخبة ، اقتربت من المرأة ، قالت لها وهي تضع كفها على كتفها :
_من فضلك أم أحمد لي كلمة معك على إنفراد .
استجابت لها المرأة وأتجهتا صوب النافذةا لقريبة، نظرت اليها بتوجس وهمست :
_هل صحيح ماسمعته .أن ولدي مازن سيتزوج في شقة اشتراها صهره له.. وسيقيم فيها مع إبنتك بعد انتهاء مراسم الحفل ؟ !
أبتسمت المرأة وهزّت رأسها بالايجاب وهي تقول :
__نعم ....أوووه نسيت أن أخبركِ بتلك المفاجأة الجميلة ..سيتزوجان بعيدا عنك وعني ...دعيهم يشيّدان عشهما الزوجي لوحدهما ..ألف مبارك لنا ...وأطلقت ضحكة مجلجلة من أعماقها.
لم تفه الأم بكلمة ،انسحبت تجرُّ خطىً بطيئة تاركة أم العروس تحدّق بها بنظرة جامدة . وصلت إلى كرسَّيها الفارغ وجلست تنظر إلى ولدها باهتمام وتوجس كبيرين ..لم تكن تصدَّق ما سمعته ، أذهلها الخبر ، عادت بها ذاكرتها إلى أيام خلت كانت تدور به حاملة إياه وهوَّ لمايزّل طفلاً صغيرا يعاني التهاب الكبد الفايروسي في مستشفيات بغداد والعيادات الخاصة .فيما كان أبوه لاهياً يحتسي الخمر ،ثمل معظم أوقاته ، غير عابئ بمعاناتها ينظر إليهما بلا مبالاة كأن أمرهما لا يعنيه. تزاحمت الصور في مخيلتها، تذكّرت كيف كانت تجهد نفسها وتشتغل ليلاً ونهاراّ من أجل إطعامه وتهيئته ليكون ذا شأن .كم كانت فرحتها كبيرة وهو يريها وثيقة تخرجه من الجامعة ، لم تنم ليلتها، بقيت ساهرة حتى الصباح تحتضنه في سرور وهي تتمتم :
_أنت ذخري وسَنَدي ياولدي ..كم أنا فخورة بك .
أبوه مات وعمره خمس سنوات ، وتكفلت بتنشئته وتربيته ضاربةً عروض الزواج التي كانت تنهال عليها طوال سني شبابها وجه الجدار ..
العريس في عالم آخر يعيش أجواء حالمة على أنغام الموسيقى وأضواء الصالة الملونة ، مرَّ وقت طويل حين توقفت الموسيقى ونزل المغّني والجوق الموسيقي شرع يلملم أغراضة متهيئاً للرحيل ،،دقّت الساعة الثانية عشرَ ليلا فانفضّ الناس وتهيأ العريس لاصطحاب عروسه، اعترضته والدمعة تغالبها نظرت في عينيه وهي تقول له متساءلة :
_هل صحيح ياولدي إنك ستتركني وتعيش مع عروسك في شقة بعيداً عني ؟
قطعَ العريس ابتسامته والتفتَ نحو العروس ثم نظر إلى أمه قائلاً :
__نعم يا أمي ما سمعتيه صحيح ..أريد أن أستقل بحياتي ..ولكن اطمئني يا أمي سأزورك بين الحين والآخر ...لقد أرسلتُ بطلب خادمة لكِ تقضي حوائجكِ وطلباتكِ.
كان يتحدث إليها وهو يشيح بوجهه عنها متداركاّ نظراتها الجارحة ..انهمرت من عينيها الدموع .اختنقت بعبرتها وتمتمت:
_لم أكن أعلم قبل اليوم ..لمْ تخبرني بهذا ؟ أتتركني وحيدة ياولدي.. هل بيتنا لا يكفي لك ولعيالك ؟
_أرجوك يا أمي لا تفسدي عليّ ليلتي ..ستكونين بخير ..ستكونين بخير.
قالها وتركها تقف بكامل إحتراقها ، خطوط الوجع ترتسم في تجاعيد عينيها والنار تستعر في صدرها الموجوع ..رأته يحمل عروسته متجها بها صوب سيارته الفاخرة وينطلق بها مسرعاً ..كأنه يريد أن يهرب مما سببته له أمه من إحراج أمام من كان حاضرا من أقاربه وأصدقائه ..كان يريد أن يضع حداً بين حياته الماضية وحياته القادمة.سيودع ايام الفقر والعوز وسيسبح في بحور العسل والمال .. .الليل اوغل في سراب المتاهة وانقضت الساعات بين قبلات حالمة وأحضان دافئة ودمعة ساكبة لوجع مقيم . .
عند الفجر ..رّن هاتفه ..فتح عينه أزاح ذراع عروسه عن صدره العاري وأمسك الهاتف ..كان الصوت يأتيه مرتبكاً :
_آلووو...مازن... آسف أني قطعت عنك خلوتك...الأمر مهم إبن خالتي
_ماذا تريد يا مهند ..؟.
_الطبيب في المشفى يطلبُ التقارير الطبية السابقة لوالدتك ..لو سمحت عجّل بالمجيء ؟
_ماذا حدث يا مهند ..أرجوك هذا ليس وقت مزاح ؟
_...........!
_مهند ..قل لوالدتي أني سأعيش معها ...طمئنها أرجوك ؟
_لا فائدة يا ابن خالتي .
_لماذا ؟!
_أمك........ ماتت !
إنشغاله بعروسه جعله لايشعر بما يدور في أجواء الصالة ، الأم تجاوزت تلك الحركات الودودة المبالغ فيها تجاه عروسه أمام الناس ، فقد امتد الوجع عبر صدرها لشلّ حركة كتفها الأيسر ، سحبت كرسياً قريباً واقتعدت تلتقط أنفاسها ، فيما ظلت إبتسامة شاحبة ترفرف فوق شفتيها ، الرقص والغناء يستمران على وتيرة عالية ، جهدت أن تتماسك حتى لا تثير انتباه أحداً من المدعوين ، تناهى إلى سمعها كلمات من أم العروس أثار فضولها .
سمعتها تكلّمُ قريبتها ، حدًّست أن الحوار بين المرأتين يخصها هيَ ،عيون المرأة كانت تحملق فيها خلال الهمس الدائر بينهما ، حاولت طرد الأفكار والهواجس من رأسها ، التفتت تنظر إلى المغنّي الشاب وهو يصدح بصوته وسط الموسيقى الصاخبة ، اقتربت من المرأة ، قالت لها وهي تضع كفها على كتفها :
_من فضلك أم أحمد لي كلمة معك على إنفراد .
استجابت لها المرأة وأتجهتا صوب النافذةا لقريبة، نظرت اليها بتوجس وهمست :
_هل صحيح ماسمعته .أن ولدي مازن سيتزوج في شقة اشتراها صهره له.. وسيقيم فيها مع إبنتك بعد انتهاء مراسم الحفل ؟ !
أبتسمت المرأة وهزّت رأسها بالايجاب وهي تقول :
__نعم ....أوووه نسيت أن أخبركِ بتلك المفاجأة الجميلة ..سيتزوجان بعيدا عنك وعني ...دعيهم يشيّدان عشهما الزوجي لوحدهما ..ألف مبارك لنا ...وأطلقت ضحكة مجلجلة من أعماقها.
لم تفه الأم بكلمة ،انسحبت تجرُّ خطىً بطيئة تاركة أم العروس تحدّق بها بنظرة جامدة . وصلت إلى كرسَّيها الفارغ وجلست تنظر إلى ولدها باهتمام وتوجس كبيرين ..لم تكن تصدَّق ما سمعته ، أذهلها الخبر ، عادت بها ذاكرتها إلى أيام خلت كانت تدور به حاملة إياه وهوَّ لمايزّل طفلاً صغيرا يعاني التهاب الكبد الفايروسي في مستشفيات بغداد والعيادات الخاصة .فيما كان أبوه لاهياً يحتسي الخمر ،ثمل معظم أوقاته ، غير عابئ بمعاناتها ينظر إليهما بلا مبالاة كأن أمرهما لا يعنيه. تزاحمت الصور في مخيلتها، تذكّرت كيف كانت تجهد نفسها وتشتغل ليلاً ونهاراّ من أجل إطعامه وتهيئته ليكون ذا شأن .كم كانت فرحتها كبيرة وهو يريها وثيقة تخرجه من الجامعة ، لم تنم ليلتها، بقيت ساهرة حتى الصباح تحتضنه في سرور وهي تتمتم :
_أنت ذخري وسَنَدي ياولدي ..كم أنا فخورة بك .
أبوه مات وعمره خمس سنوات ، وتكفلت بتنشئته وتربيته ضاربةً عروض الزواج التي كانت تنهال عليها طوال سني شبابها وجه الجدار ..
العريس في عالم آخر يعيش أجواء حالمة على أنغام الموسيقى وأضواء الصالة الملونة ، مرَّ وقت طويل حين توقفت الموسيقى ونزل المغّني والجوق الموسيقي شرع يلملم أغراضة متهيئاً للرحيل ،،دقّت الساعة الثانية عشرَ ليلا فانفضّ الناس وتهيأ العريس لاصطحاب عروسه، اعترضته والدمعة تغالبها نظرت في عينيه وهي تقول له متساءلة :
_هل صحيح ياولدي إنك ستتركني وتعيش مع عروسك في شقة بعيداً عني ؟
قطعَ العريس ابتسامته والتفتَ نحو العروس ثم نظر إلى أمه قائلاً :
__نعم يا أمي ما سمعتيه صحيح ..أريد أن أستقل بحياتي ..ولكن اطمئني يا أمي سأزورك بين الحين والآخر ...لقد أرسلتُ بطلب خادمة لكِ تقضي حوائجكِ وطلباتكِ.
كان يتحدث إليها وهو يشيح بوجهه عنها متداركاّ نظراتها الجارحة ..انهمرت من عينيها الدموع .اختنقت بعبرتها وتمتمت:
_لم أكن أعلم قبل اليوم ..لمْ تخبرني بهذا ؟ أتتركني وحيدة ياولدي.. هل بيتنا لا يكفي لك ولعيالك ؟
_أرجوك يا أمي لا تفسدي عليّ ليلتي ..ستكونين بخير ..ستكونين بخير.
قالها وتركها تقف بكامل إحتراقها ، خطوط الوجع ترتسم في تجاعيد عينيها والنار تستعر في صدرها الموجوع ..رأته يحمل عروسته متجها بها صوب سيارته الفاخرة وينطلق بها مسرعاً ..كأنه يريد أن يهرب مما سببته له أمه من إحراج أمام من كان حاضرا من أقاربه وأصدقائه ..كان يريد أن يضع حداً بين حياته الماضية وحياته القادمة.سيودع ايام الفقر والعوز وسيسبح في بحور العسل والمال .. .الليل اوغل في سراب المتاهة وانقضت الساعات بين قبلات حالمة وأحضان دافئة ودمعة ساكبة لوجع مقيم . .
عند الفجر ..رّن هاتفه ..فتح عينه أزاح ذراع عروسه عن صدره العاري وأمسك الهاتف ..كان الصوت يأتيه مرتبكاً :
_آلووو...مازن... آسف أني قطعت عنك خلوتك...الأمر مهم إبن خالتي
_ماذا تريد يا مهند ..؟.
_الطبيب في المشفى يطلبُ التقارير الطبية السابقة لوالدتك ..لو سمحت عجّل بالمجيء ؟
_ماذا حدث يا مهند ..أرجوك هذا ليس وقت مزاح ؟
_...........!
_مهند ..قل لوالدتي أني سأعيش معها ...طمئنها أرجوك ؟
_لا فائدة يا ابن خالتي .
_لماذا ؟!
_أمك........ ماتت !