عـقـارب الـسـاعـة
قصة للكاتب / نصر أيوب
رغـم كل المطبات الكثيرة والمتناقضات الوفيرة ، إلا أننا عشنا قصة حبنا بكل ما فيها مـن صدِ ورد وقـربٍ وبعـد .. ولـقاـء وفـراق .. وحـنـيـنٍ وأشواق .. ولـيـالٍ طــوال .. ومع أنني لا أحـب الـسـادية ، إلا أنني كـنـت أمارسـهــا في طـقـوس عـلاقـتي معـهــا ، كـنت أنـتهـز معرفـتي بمحبتها لي وتعلقها بلقائي التي كانت تصـر على أن يكـون في تمام الثانية عشرة منتصف الليـل ، بالنسبة لها هو الوقت الأكثر أماناً وتفرغاً . وأمـا أنــا فـقـد كنت اسمعهـا توصيني في كل ليلـة : أرجو أن تأتي اللقــاء القادم على الوقت ، تمـامـاً في منتصف الليل .. لكنني لم أكن مطيعاً لها ، فكـنت أتأخــر في كل لقاء 15 دقيقـة ، وعـنـد وصولي لها تـفـاجِـئُنـي بلهـفـتهـا الصارخة وشوقهـا الكبيـر وتباشـر على الفـور بالحـديث عن سبـب تأخـري ، فأخـتـلــق لـهــا المعاذير بقولي : أنا لم أتأخـر لـقـد جـئت في الوقــت المحدد ، فتنظر إلى ملامح وجهي باستغراب .. وقبل أن تتفوه بشيء ، أقول لها هذه ساعة يدي ، راقـبي الـوقـت بنفسكِ .. ( وكنت في كل لقاء أقدم عقارب الساعة 15 دقيقة ) وفي كل لقاء طقــوس لهفتهـا بالإنتظار ، ومراقبتها للطريق ، وتوقعها وصولي بأي لحظــة ، و ..و .. كل هذه الإختلاجات والتأثيرات النفسية كانت تنسيها مسالة الإنتباه لكذبي عليهـا بتقديـم وقت الساعة ..
ومع أنه كان لا يهمني إن اقـتعـت أو لم تـقـتـنع .. بالنهاية هي تحبني .. وأمارس ساديتي بلذة مشهد اللهفة المرتسمة على وجهها ، بما يعتريها من اختلاجات في الشكـوك والتردد .. فلا تسكت ، وتبدأ بالحديث : أرجو أن لا يكون سبب تأخرك هو انشغـالك مـع واحدة غيري !! تتحدث وتنتظر مني جواباً ، لكنها تستدرك من تعابيـر ملامحي الـسـاديـة بأنني لن أقول شيئاً ، فتستطرد الحديث بقولها :
في الواقـع أخـاف عـلـيـك من حــوادث الطريق ، من عـيـون الـمـارة ، من شــامتٍ أو صديق .. كنت أنظر يا حبيبي إلى آفاق العتم في برق النجم وضوء القمر ، كنت أراقـب كل خيـالات الليل ، حتى أرى محياك قربي .. الحمد لله ها أنت وصلت بخير .. ثم طوقتني بذراعيها بدفء من الحنين واللوعة ..
زمن التأخير ال 15 دقيقة .. يقابله تماما 15 دقيقة لتشرح بماذا فكرت في كل دقيقة وكيف تصرفت خلال وقت التأخير .. وأنا .. هو أنا الـسـادي المتلذذ بهذا الوقت في بداية اللقاء ، ثم أعود لإنسانيتي كما يجب ..
كالعـادة قبل أن يدركنا الفجر ، ينتهي اللقاء .. لأستمع منها لنفس الطلب : أرجوك إحرص غـداً أن تأتي في الوقت المحدد ، في منتصف الليل ..
قلت : إن شاء الله .. وفي نفسي مع ساديتي المفرطة ، لن أصل إلا متأخراً ال 15 دقيقة ، ما دام أنها تصدق كذبتي في مراقبتها للوقت في ساعة يدي ..
قلت : إن شاء الله .. وفي نفسي مع ساديتي المفرطة ، لن أصل إلا متأخراً ال 15 دقيقة ، ما دام أنها تصدق كذبتي في مراقبتها للوقت في ساعة يدي ..
في الليلة التالية ، كعادتي ذهبت للقاء ، وعـهـدي بساعة يدي هو .. هو .. لم يتغير .
وصلت مكان اللقاء ، فاستقبلتني بفرحٍ غـامـر ، وسـرورٍ عامـر .. والمفاجأة أنها لم تسألني عن سبب تأخري ، وأنا أنتظر انفعالاتها واختلاجاتها ولهفتها وحديثها وظنونها وخوفها وطريقة وصفها لما فعلت وبما تصرفت خلال مدة التاخر الزمني ال 15 دقيقة .. جلست وفي نفسي خيبة لا يصفها إلا بمن مر بنفس الحالة أو شبيهاً بها ..
وصلت مكان اللقاء ، فاستقبلتني بفرحٍ غـامـر ، وسـرورٍ عامـر .. والمفاجأة أنها لم تسألني عن سبب تأخري ، وأنا أنتظر انفعالاتها واختلاجاتها ولهفتها وحديثها وظنونها وخوفها وطريقة وصفها لما فعلت وبما تصرفت خلال مدة التاخر الزمني ال 15 دقيقة .. جلست وفي نفسي خيبة لا يصفها إلا بمن مر بنفس الحالة أو شبيهاً بها ..
هي فرحة مسرورة تتنقل ما بين المطبخ ومكان الجلوس تحضر ما رتبت له من ضيافة وحديث عن الذكريات وكثير من هموم المستقبل المجهول .. اقتربت مني وهي تقول : تعجبني أطباق محبتك التي تخلصني من جوعي الكافـر ومن عطشي السافـر ، ووحدتي الرتيبة التي تنتظر موائدك الشهية ، .. هكذا هي تتابعني .. تسألُ عني .. تلاحقني .. نغازلني .. وأنا لا أظهر إلا هــونـاً مــا .. إنها ساديتي .. ولكنها لم تهتم بتأخري عنها في هذا اللقاء !! فلم تسألني !! ولا حتى لمحت هي بذلك !! ورأيت أنه أصبح من الجميل بعد كل هذا اللطف وهذه المحبة أن أعترف لها بخدعتي لها في تقديم عقارب ساعة يدي 15 دقيقة وأعترف عن سبب تأخري ..
بادرت بالقول : هل تحبينني
قالت ( بعد أن ضحكت ) : وهل هناك شك في ذلك !!
قلت : بالطبع لا .. ولكني أريد أن أعتذر عن تأخري هذه الليلة 15 دقيقة .. وعن أيام اللقاء العشرة التي سبقت هذا اللقاء .. وعليكِ الآن مسامحتي في 11 مرة من الكذب .. تصوري يا حبيبتي خدعتكِ بالكذب 11 مـرة !!
بادرت بالقول : هل تحبينني
قالت ( بعد أن ضحكت ) : وهل هناك شك في ذلك !!
قلت : بالطبع لا .. ولكني أريد أن أعتذر عن تأخري هذه الليلة 15 دقيقة .. وعن أيام اللقاء العشرة التي سبقت هذا اللقاء .. وعليكِ الآن مسامحتي في 11 مرة من الكذب .. تصوري يا حبيبتي خدعتكِ بالكذب 11 مـرة !!
قالت : لا يا حبيبي هذه الليلة لم تتأخر ، فقد جئت في الوقت المناسب ،
قلت : وكيف يكون ذلك ؟؟
قالت : في لقائنا السابق ، قمت بتغيير الوقت في ساعة يدك وهي بجانبي على الطاولة دون أن تشعر ، وقمت بتقديم الوقت 15 دقيقة .. وكنت متيقناً أن فضولك لن يمكنك من تفقد الوقت الصحيح ، فكنت الليلة في الوقت المناسب ..
قلت : وكيف يكون ذلك ؟؟
قالت : في لقائنا السابق ، قمت بتغيير الوقت في ساعة يدك وهي بجانبي على الطاولة دون أن تشعر ، وقمت بتقديم الوقت 15 دقيقة .. وكنت متيقناً أن فضولك لن يمكنك من تفقد الوقت الصحيح ، فكنت الليلة في الوقت المناسب ..
لم أكن أتوقع بأن ما قامت بهَ كان سبباً في خيبتي بفقدان لذتي في ساديتي في اللقاء السابق ، صمتُّ لدقيقة من الوقت وكأنني أريد أن أبحث عن حديث يعيد لي جبروت هيبتي في ساديتي ..
فقلت لها : إذن خداعي لكِ بالكذب كان 10 مرات فقط !!
فقلت لها : إذن خداعي لكِ بالكذب كان 10 مرات فقط !!
فقالت ( وهي تبتسم ) : نعـم .. نعـم خدعتي 10 مرات .. ولكنني خدعتك مرة واحـدة كشفت بها خدعاتك العشــرة .. وعانقتني بنوع من الدلال والرضا وكأننا في مشهد كوميدي ..
وقلت لها ( بأسلوبٍ خالطة التفكه والمـزاح ) :
حقـاً إن كيدكنَّ عظيم ،، نحن الرجال .. شيطـانٌ من كل 1000 مـنـا .. ومنكـنَّ الواحدة بألف رجيــم .. ودعتها راجعـاً .........
ومـنــذ ذلك الحـيـن .. لا تـزال عـقــاربُ ســاعـة يـدي تـلـدغـنـي ..