مساحة حرة
إنعام النور محمد صالح
الشمس تجرجر اذيالها وتختفي اشعتها ، كقماش يفك غزله خيطا خيطا ، حيث تتساقط الاشعة كما تسقط الخيوط العرضية المتروكة في خواء دون ذلك النسج الطولي .يحمر الافق بالوان كل الموتى وكل العاشقين وكل الكارهين ، وما احمراره الا انعكاس عيون الحزن التي تنظر تلقاءه..
تنتقل بعينيك متقلبا ما بين المشرق والمغرب ايهما تختار عله يكون سندك هذه الليلة ..
ترمي بنظرك شرقا، على ذرات الظلام الكثيفة ، المليئة بالسواد التي تتسابق مهاجمة جيوش الضوء المهاجرة التي قرر ملكها ان يتخذ الغرب سكنا له، خسرت تلك المعركة كما خسرتها وستخسرها دوما ، فهذه المعركة معلومة النتائج مسبقا ، امواتها احياء الامس ، واحياءها اموات الامس ، معركة على سبيل التتابع ، على نسق التكرار على هيأة نمط الفر والكر ..
يسيطر الظلام ولا يبقى سوى ذاك الخيط الرفيع من الضوء الذي ينسحب ذليلا منقادا ..
يلتف جسدك يمنة ويسرى سيأتي الليل لا محالة ، سيحملك كما حملك دائما سيجتثك من سريرك الذي لم يكفه ان تشد وثاقك عليه ان تتمسك بكل خلية من جسدك به ولكن يختلس الليل روحك يسرقها من بين كل دفاعاتك، ويدفع جسدك للخنوع حينها ستنساق خلفه سترتمي على إحدى طرقاته الموحشة ، سيبتلعك الليل وسيجترك الصباح الذي لا يقل وحشة عن تؤامه ..
يتلاعب الليل بنا ، وما تلك البلورات الصغيرة بصفتها الخافتة او المتلألأ ، التي ينثرها على بقعته التي يتسلط فيها كما يشاء الا خدعة بصرية ، فعدها مستحيل وقد تخادع عينيك فتصير حينا بظلمة ليلها او بلمعانها الخاص ..
تعلو ببصرك وتهبط به ، تتلعثم في الاختيار ، تقمع دواخلك ، ثم تفجر بصرك نحو السماء ، تبحث عن تلك الخدعة البصرية التي قد اعتدت على البكاء على ضوءها ..
لن يصل صوتي اليها ، ولن يمسها ذاك الدود الذي تشكل الحزن على هيأته ليدمر احشائي ، وما كرهي لذاتي ليس سوى انها لم تستسلم للموت بعد ..
نعم نعم هذه هي ، فصوتك الذي تخاطب به مهجتك المحطمة قد اصابه الركود ، توقفت تردداته عن الحركة ، انحت على بعضها البعض ، تقتلها الكلمات التي تنطق بها ، حتى صوتك يحاول هجرانك دون توقف ، قد بغضك قديما ، مذ اول ليل عقلته ..
وعند بلوغ ذروة الانتصار هنا ستتحطم كل بشريتك التي تدعي انها على قيد الحياة ، هنا ستتعفن ، ستسمع الحان الموت ، وشجن اليأس ، سيأكلك البؤس ، لن يجدي صراخك فأنت اليوم ابكم ، ستكبل وترمى على بحر الحزن ستغرق حتى تتشق رئتاك ، سينفجر قلبك ، وتثور انفاسك ، ستحاول الموت حينها ولكن هيهات هيهات ..
الحياة مصيرك ، ستعيش وانت اشد الناس بغضا للحياة ..
ضاعت روحك ، توقف عبثك ، لم تعد تقوى على الحراك ، هأنت الآن تدعو النوم ليطرق بابك ، لياخذك من بين براثن الحياة ، ليذيقك طعما من الراحة التي تنشدها ، فالنوم مسكن يومي يخرق عقولنا لينسينا او ليس سوى فكرة تحاول ان تجعلنا نسكن قليلا ليعود الالم اقوى واشد تنكيلا ..
خطى النوم على درب النسيان ، اتخذه ملجأ له ، فارقك فلا نامت عينيك اليوم ولا هنئت يوما ، عيناك فراغ ، ولكن فراغ اصابه التشقق والجفاف ، فمات حزينا ، فأنت لا ترى سوى الظلام ..

