-->
مجلة دار الـعـرب الثقافية مجلة دار الـعـرب الثقافية
recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...
random

بحيرة الصمغ قصائد للشاعر جمال جاسم أمين . الناقد :: عبد الهادى الزعر

بحيرة الصمغ قصائد للشاعر جمال جاسم أمين .
الناقد :: عبد الهادى الزعر
-----------------------------------------
يقترن جمال اللغة بجماليات الخيال وهما مبحثان تتوفر عليهما الدراسات الحديثة , فينتج عنهما انزياحاً على قواعد النظام اللغوي فالشعر مبدأ اشاري قائم على مصاحبات ومتقابلات غير متوقعة تنتظم في فكرة وسياق .
فإذا صحت المقولة التي مفادها ان البنية المقامة لنص ما حينما يكون الشعور الانسانى بها كثيفا - - تعد تحققاً لأنساق اكثرعمقا و يمكن تقصيها من خلال الاستقراء وهي على وصف البنيويون ( بنية ثاوية ) ولكنها سريعة الظهور كالذي يسمع اذاناً فسيتبعه صلاة -
هنا استوجب التوقف لاستجلاء الامر:

( حمد يطوف على المقابر ليلاً .. يتذكر انه اذا مات من أين يأتي بالكفن ؟ واذا صادف ان صادق بزازاً وانتهى من معضلة القماش يبقى المشهد الأهم .. مشهد النهاية ! ميت بكامل قيافته البيضاء ولكن بلا ناعيات )
ربما يتصور البعض أن هذا الشعر ضرب من الطوباويه الجانحه ومقدار من الخيال المفرط - - وشىء من التفكه الفكرى (*) والحقيقه الملموسه تأكده بقوه خصوصا بعد أحداث أ2003 القاتله حيث أمست الثوابت التى اّمن بها اّباءنا والتى تبعناها بعفويه كجيل واعٍ أمست ضرب خواء فالذى أحدثه سونامى الحرب على العراق - - - خلخل البنى ألاجتماعيه وأحالها الى رميم -

أرى صوتاً وأسمع صورة :
ذلك هو الاحساس الذي تحمله اللغة بتضاعيفها وهو ما يسمى ( بالصورة الصوتية للنص ) وهو غير الصوت المادي المألوف وصداه المعتادة , بل هو خلق حالة من التوافق اللامرئي بين قول تسمعه ومعنى مضمر في ذاتك تراه !

( الريل وحمد ) هذا الشجن الشعبى المملوء حتى اذنيه بالحزن والفراق والفجيعة هو أحد تباريح الذائقة اللاشعورية للعقل الجمعي العراقى , ابتدأ أوائل أر بعينيات القرن الماضي ولازال صداه قائماً ينذر بالوحشة واليباب وسيمتد الى ما شاء الله .
تزداد انفسنا غلظةً حين تتذكر تلك الكتلة الحديدية ( الريل ) وهو يقطع الفيافي والمفازات الجرداء سائراً على خط متري أوجدته بريطانيا لإدامة مستعمراتها لم تجعله للنزهة ولا للانتجاع ولهذا بقي الحزن ملازماً حتى بعد رحيل المستعمر الأول فالغبار يملأ المكان والخواء يعتمر النفوس تلك رحلة القطار الصاعد والنازل أيام زمان.

ذلك القطار لا زال يمر بالقرب من شعلات ناريه هائله ترى بوضوح حتى بالنهارتقول للرائى هذه حقول الرميله يذهب ريعها لماسكى الدفه ومسيريها ؛ أما نحن الساكنون أزاءها فلنا العادم وأمراض الرئة جراء أستخراج النفط وتسويقه

( الى أين وصل الأن حمد ؟) لا أحد يسئل عن الغائبين الناس يستبد بهم النسيان ؟ حمد صعد الى القطار وهو لا يعرف ان المحطات معادية .. حمد لا يصلي ولكنه عندما رأى المارة في قطاع 43 يسيرون صفوفاً .. سار على طريقته المعتادة وبعد وصول الجميع الى المسجد صلى بهم !

هذه النصوص التى حصرتها بين هلالين هى من مجموعة < بحيرة الصمغ > للشاعر جمال جاسم امين وهذه القصيدة هي ( الريل وحمد ) خلت من التقعير وتكاد تكون عفوية موحية وهي مثال للتناسب البنائي المحفوف بالدلالة فما بين ايقاع القصيدة الهادئ والطابع المتسارع لحيثيات الموت الذي يتصاعد بين السطور استوجب التحري وتقصي الأمر :

فهذا الصخب الموتي المثقل برنين الوحشة والفراق لا يعبأ به حمد ولكنه يفكر فيما ورائه : كيف يواجه ربه ؟ وهو المغلوب على أمره مساحة عمره كله أيواجهه عارياً كما خلقه أول مرة ؟ واذا تيسر أمر الكفن فمن يبكي ويتأسى عليه ؟ وهو يعلم أن لا دموع بمآقي الناعيات لكثرة الموتى والراحلين حيث إنا في بلد من أكثر بلدان العالم موتاً.. موت بعد الفجر بقليل يتصيد عمال المساطر وآخر في الظهيرة أثناء الذروة وموت يلحقه فى الأصيل - - - فالموت فى بلدى المكلوم لا يعترف بالتقويم والزمن لأنه مباح ومتيسر وبدم بارد
ولكّّون قوافل موتانا ليس لها حد فهي مفتوحة للغادي والرائح واختصاراً لموقف متكرر يبعث على القشعريرة اكتفينا ( بالأرقام فقط ) – ستون تسعون ستمائه -- والعدد قابل للزياده فالإحصاء يأتي متأخراً أما الجرحى فهم بالاّلاف نتمنى لهم الشفاء العاجل -

( اعتقلوه قبل الشروع بالبسملة سألته المجندة الأمريكية عن سر هذه الفرشاة التي يحملها في جيبه .. لم يجبها حمد ولكنها قالت له انك تستخدمها لتلميع اسنان العبوة
سألته عن التفخيخ برطانة تمتد على طول مساحة الليل بينما ( حمد ) لا يعرف حتى كيف يفخخ السرير بامرأة قال لها انه (مظفر النواب) بصقت في وجهه .. لم يتأثر فهذه ليست المرة الأولى ... كثيرات قبلها بصقن عليه ) .
هذه التراجيديا الحزينة والمحفوفة بالموت اليومي شكلتها الذات الرائية التي تتشوف عبر وقائع اللحظة الشعرية بسطوتها المتعالية ( حمد لا يموت – حمد يضيع ) هنا انتقل التوتر الداخلي الى تحدٍ مباغت فعندما استهل الشاعر تداعياته بين كفن و ناعيات مجدبات من الدمع فالزمن المعاش لا قيمة له ولا جدوى من خلال الامحاء والفقد والزوال توقف مستدركاً فجأة وأحالنا ببوصلته التي لا تخطأ الى اتجاه أخر ... كيف؟ ما السر؟
لأن حمد عشق بغداد وذاب فيها شوقاً ... فقد تلبسها على طريقة الصوفيين ولو أنها تصطلي بالنار والمهلكة ولكنها حبيبته الأولى وستبقى الأخيرة فحمد سينتهي يوماً وأما بغداد فهي باقية خالدة على مر الزمن .

بحيرة الصمغ/ اصدار 2011

عن محرر المقال

Unknown

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مجلة دار العرب نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد االمقالات أول ً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

مجلة دار الـعـرب الثقافية

مجلة عراقية . ثقافية . أدبية

احصاءات المجلة

جميع الحقوق محفوظة لمجلة دار العرب الثقافية - تطوير مؤسسة إربد للخدمات التقنية 00962788311431

مجلة دار الـعـرب الثقافية