" ظاء و ضاد "
بلد بنكهة الكافور
بلد بنكهة الكافور
نداء مبارك : العراق
أسير بخطوات وئيدة ومتباطئة، وكأني اريد بالزمن ان يتوقف او يرجع القهقري! في طريق يُثير فيَّ حنيناً لماضٍ له صدى ابتسامة وصدى تَجَهُم، شعور بالغبطة وشعور بالالم؛ هو ذات الطريق الذي طالما مررت به قبل عشرات من السنين، ولكن بخطوات متسارعة تسابق الزمن! لأصل الى بيت "أجدادي" حيث متعة اللقاء، واحساسٍ عالٍ بالامان.
ترجلتُ طريق العودة (دون اقتناء اية مركبة، لئلا تفسد عليَّ متعة التأمل والتحليق مع الماضي الجميل) بعد مغادرتي لمجلس عزاء لأحدى قريباتي سلمّت الامانة وهي مطمئنة على بناتها العشر واولادهن من الشباب والبنات، متألمات يائسات يندبنها متمنيات لو عاشت المزيد ولو بانفاسها فقط، ولكن سبحان من ياخذ امانته في موعد لا يتقدم عنه ولا يتاخر . "عشراً" وكأنهن حبات لمسبحة قد انقطع خيطها فتراشقت حباتها وتناثرت كلٍ في اتجاه، حبة تشبه الاخرى.
أجُّر بقدميَّ وعينيَّ شابحتين على العشرات بل المئات من صور الشهداء المنتشرة هنا وهناك، ابطالاً أعطوا دروساً بليغة بالتضحية والفداء، ولازالت طوابيرهم مستمرةً الى الآن (في بلد أُبتلي بحكام لم يرعووا) تاركين ورائهم ضحايا من الايتام والارامل والثكالى، شباب لفقدانهم ألم، يفوق الم فراق الاحبة من الاباء والاجداد، ولكن غربان الموت مابرحت تفارقنا وتطاردنا اينما حللنا ونزلنا، ورائحته تزكم انوفنا وتغير من الواننا؛ لا تُفرق بين شباب وشيبة .
أقترب من مستشفى حكومي، واخر اهلي، يفوحان برائحة الموت والأحتضار، بلد باجمعه يأن من الموت، ولأكثر من ستين عاماً في تاريخنا الحديث فقط، حروب واغتيالات ومقابر جماعية، امراض مستعصية، حوادث دهس، حوادث مرور، وموت جماعي، قتل على الهوية، ثارات عشائرية، موت الفجأة، حالات انتحار الشباب اليائس، واخرون غادروا بلداً تخلى عنهم! "بلداً بنكهة الكافور" لينزل بهم الموت مرة اخرى ويهيمن عليهم وهم في الطريق الى بلاد المهجر !
أقترب من مستشفى حكومي، واخر اهلي، يفوحان برائحة الموت والأحتضار، بلد باجمعه يأن من الموت، ولأكثر من ستين عاماً في تاريخنا الحديث فقط، حروب واغتيالات ومقابر جماعية، امراض مستعصية، حوادث دهس، حوادث مرور، وموت جماعي، قتل على الهوية، ثارات عشائرية، موت الفجأة، حالات انتحار الشباب اليائس، واخرون غادروا بلداً تخلى عنهم! "بلداً بنكهة الكافور" لينزل بهم الموت مرة اخرى ويهيمن عليهم وهم في الطريق الى بلاد المهجر !
مركز لذوي الاحتياجات الخاصة، اولاد وبنات بعمر الورد، احياء ولكنهم اموات، في بلد بمرحلة الموت السريري، بلداً اصبح وامسى وبات مشؤوما، وأرضاً تبتلع ابنائها، بلدا يمسك بزمام اموره رجالاً مُلئت بطونهم وجيوبهم بما حرمّ الله، من بعد تشردهم هنا وهناك اذلاء كانوا، واليوم خونة! رجالاً فرغت عقولهم وضمائرهم وقلوبهم من محتواها، وشعباً يلهث وراء المظاهر وضخامة الاجسام، تلفت نظره الابهة المزيفة، وتخيفهم السيارات الفارهة، يهتف لهم، ويبايعهم معلناً لهم الولاء والطاعة، كمن يعبد الشيطان ليكفيه شره.
وللختام مسك: يقول الوردي: "من حسن حظ غاندي أنه لم يولد بين العرب فلو كان هذا الرجل القميء الذي يُشبه القرد يعيش بيننا لأشبعناه لوما و تقريعا"
