عودةُ ميِّت
انقبضَ القلب دمعُ العينِ كانَ يسيلُ بلا سببٍ أعرفه ألمٌ لا يحتمل كتفكَ تنتقمُ منك توجعك بشدةٍ حتى فقدان الشعورِ بها كلياً تخلت عنكَ بالكامل لمْ تعد من جوارحك خرجت عن الخدمة ماذا يحدثُ لي؟ الدماءُ لا تسيرُ بها عروقها جافة سيالةُ ألم بدأتْ بأعلى قلبك وانتهت عندَ أخرِ طرفٍ لأطولِ أصابعك. ماذا فعلتَ بنفسك؟ تمسكُ بها بيدك الأخرى، راجياً إياها أن عودي لي، لن أحزنَ مجدداً لأوصلكَ لهذا الحال صدقيني، فقط عودي كما كنتي. تتحسسها بشدة، ودموعكَ تنهمر، لا شعور ولا ردة فعل. تمسكُ المشرط حادا، تحزها به، ربما تتولدُ بداخلها احاسيس ألمِ سكينك، لكن لا طائل، هجرتكَ كلياً. ينتهي صبركَ على هذا الحال، وتهرعُ للطبيب. الطبيب: لا اعراض لجلطات او احتشاء أو ما إلى ذلك! لكن لا ضيرَ من ثمانِ حباتٍ تميعُ الدمَ علهُ يعود للسريان بداخل عروقها مجددا. تخطيطُ القلب ِ سليم نوعا ما، بعضُ التغيراتِ مرعبة، تحتاجُ لمشفى لنطمئن بشكلٍ أكبر، لكن لا تستهر و إن طلبوا منك المًكوث فافعل ما يقولون لك.. صبرتُ قليلاً حتى اقترب وقت عملي. مضيتُ متحاملاً على نفسي، وهناك تمَ اسعافي. في المشفى: أصبحتُ ساحةَ تجارب، فلا مشكلة أن تقتربَ منكَ متدربة تثقبُ جلدكَ ست أو سبع مرات لتسحبَ لكَ الدم لإجراء التحليل. اصبر وصاكَ بها شخصٌ يحبك، ستكونُ بخير!!! يمرُ الوقت بلا نتائجَ تذكر، سوى منافع مادية وتجارب وتحزير حولَ ما بك، والرائحُ الأتي يسألكَ ما الذي حصلَ معك، وكحكواتي القهوة تعيدُ الاسطوانةَ نفسها بلا جدوى. وكل طبيبٍ يأتيكَ أشرب هذهِ الحبوب، وتشرب مطاوعا! من ثمْ تفقدُ الوعي كلياً بعدَ أن قامت حمقاء بمحاولةٍ ربما كانت المائة لسحبِ الدم من ذراعكَ الميتةِ أصلا. فيجتمعُ عليك أطباءٌ كثر، ومحاولة لإنعاشك، جيد لقد استفاقوا أنَ الوضعَ خطيرٌ جدا، رغمَ سيري على قدمي. كنتُ أسمعُ أحدهم يصرخ، بسرعة بسرعة يحتاج صورة إيكو قلب، ليصرخ صديقي أينَ يتمُ إجرائها؟ فيأتيه الجواب البارد: غير موجودة بالمشفى، فنحن خارجَ أوقاتِ الدوام والموظفين المسؤولين ليسو هنا، رافقهُ لأقرب عيادة وأجري الصورة وعد بسرعة فالوضع لا يحتمل. مضت ساعة نجحَ بها صديقي بإيجاد عيادةٍ وأجرى الصورة، وعادَ بنا إلى المشفى مجددا. الصورة أظهرت أن أكياس ماء تحيط بغشاء التامور على القلب، لكن ليسَ شرطاً ان تكونَ سبباً لما يحدثُ معك. ومجددا فقدت الوعي وأغمي علي، هذهِ المرة شيء مختلفٌ يحدث، يبدو أنَ يدي قررت تركي للأبد، وعلى رائحة واخزة بأنفي استفقت وصديقٌ لي يحاولُ تحريكَ يدي ويفركها بشدة، كان يبدو عليه الخوف لكنه بدا رابطَ الجأشِ قويَ المظهر. التفت برأسي بعكس الجهة التي يقفُ فيها وسالت دموعُ العين بلا توقف. اعتدتُ على هذه الحالة، لكن عادةً ما تمرُ سُويعات فأعود لسابقِ عهدي بعدَ حبات الأسبرين تلك، هذهِ المرة الأمرُ مختلف. مرَ وقتٌ طويل، ربما كان قصيراً لكنَ خوفي جعلَ منه يمرُ ببطءٍ مميت، وأنا أناظرُ سقف الغرفة والكثير من المرضى حولي، لكنني كنتُ وحدي، أعاتبُ نفسي على ما فعلتُ بها، كان بإمكانكَ تجنب ما يحصلُ لك، لا أحد يهمهُ ما تعانيهِ من ألم، ومن لإجلهم شطحَ بكَ التفكير، وتأزمت حالتك باتوا يرونكَ مصيبةً فوقَ رؤوسهم، ربما هيَ دعواتهم أصابتكَ في مقتلٍ هذهِ المره؟ لا عليك ستكونُ بخيرٍ فقط اهدأ الأن، وإن صحوت بخير حال وعدتَ معافى إلى منزلك فسيكون لك معهم حديثٌ أخرٌ وأخير. استسلمتُ للنوم ولا أدري إن كانَ نوماً أو إغماءً قادني لطريقٍ طويلٍ ألفتهُ جيداً، لكنني: كنتُ أسيرُ فيهِ وحيداً بلا رفيق، لتظلمَ الدنيا فجأة، ويجتمعُ في حلمي كل من يودونَ النيلَ مني، كانوا على هيئةِ أفاعٍ سوداءَ اللون، بأنيابٍ سامة. لاحقوني وأنا أهربُ منهم راكضا، وكلما رأيتُ مفرقاً ظننتهُ الخلاص، فأدخلهُ لأجدهُ مغلقاً بجدارٍ فوقهُ أفاعٍ أكبروأشد فتكاً، لأعودَ مجدداً للطريقِ الذي كانت أزهار الياسمين تشدو فيه بأروع العطور والألحان، فأضحى سلاسلَ بأشواكٍ من حديدٍ وكلاليب من نارٍ حارقة، وأعاودُ الركضَ مجددا، لأصلَ لطريقٍ مسدود، فألتفت وإذا بالأفاعي تتحول لأجساد بشر برؤوس أفاعٍ، وكل منها يحملُ سكيناً لقتلي. جثوتُ على ركبتي مستسلماً وحيداً راضٍ بالموت مادا عنقي لسكاكينهم، أريدُ الموتَ علَّ الراحةَ التي بحثتُ عنها لسنواتٍ أجدها ها هنا في غيابٍ هو الأخير. لأسمعَ صوتاً فأديرُ ظهري، وإذا بشخصٍ يفتحُ مخرجاً في الجدار، يمدُ يدهُ أن تعالَ مبتسماً لي، أعطيتهُ يدي راجياً الخلاص، عبرتُ الجدار وأغلقَ مجدداً بوجهِ تلكَ الوحوشِ البشرية، لكنني لم أعي أن تلك اليد تدفع بي لمنحدرٍ بوادٍ سحيقٍ بمسلات من حديد ستقتل كل من يسقطُ فوقها بلا شك. لأسقط عن سريري على يدي اللعينة تلك صارخاً باسم ما ظننتُ لوهلةٍ أنهُ هنا لأجلي لكنني كنتُ أهذي بما ليسَ لي. سارعَ الموجودون لمساعدتي والاطمئنانِ علي، أعادوني لسريري مجددا، لتقف فوق رأسي امرأة وتسألني من هو صاحبُ الإسم الذي كنت تصرخ باسمه طوالَ نومكَ وترجوهُ ألا يرحل؟ لا عليكِ يا خالة كوابيسُ مرة لشخصٍ مريضٍ يشعرُ بنفسهِ يحتضر. الله أكبر الله اكبر من مسجدٍ قريبٍ نادى بها المؤذنُ أنَ صلاةَ الفجرِ تقترب، تسللَ لداخلي شيء منَ الطمأنينة، لكن يدي يلا تزال تعاندني تريدُ الرحيل. وصل الطبيب، حركَ يدي مجددا، حادثني بابتسامةٍِ لطيفة، مازحني قائلاّ: ( وجع القلب بهالعمر مو صحي غالبا، شو قصتك؟ ). وذهبَ بعد أن اطمئنَ على ضغطي ونبضاتِ قلبي. بدأ الوضعُ يتحسن، الخالة أعطتني تفاحة وقرنا من الموز، بعد إلحاحها أن لا تخجل وخذها من أمك، تناولتها. يدي تتحرك عاودتُ الابتسامةَ مجددا، صديقي تمكن منهُ التعب فنامَ بقربي، غطيتهُ ونزلتُ عن السريرِ متوجهاً صوبَ النافذة، كانتِ الدنيا تمطرُ بغزارة، والناسُ بدأت تخرجُ للشوارعِ متوجه لأعمالها، هاتفي النقال ليسَ معي لأصورَ المكان والمشهد، عرفت الأن معنى ألا أحدَ يشعرُ بعذاب أحد، ولو مت سيحزنون يوماٍ من ثم يقنعون أنفسم أنه قدرُ الله، والحياة لن تتوقفَ لموتك، والشمسُ ستشرقُ من جديد، ولن يتغيرَ حولهم شيء، فاستفقْ.
محمد بلال محمد حجازي
صانعُ_الزفيرِ_الأزرق
# 08/01/2023G 09:23am