قصة قصيرة
اختطفَ المعطف المخملي الجديد من بين يديها، محاولاً تمزيقه، بعد لأي وجهد كبيرين تمكن من نزع أحد كميه. انخلعَ قلبُ أمي معه، لحق الكم الآخر بأخيه. صوتُ أمي وقد أجهشت في البكاء والنحيبِ، أثارّ حفيظتي على أبى وتعاطفي معها. ألقى بالمعطف، وقد خرجت أحشاؤه، في وجهها، وطفق يكيل لها اللكمات ذات اليمين وذات الشمال مزمجراً:
استدارَ والشرر يتطايرُ من عينيه لاهثاً، لمحني وأنا محشورةٌ في الزاوية خلف الكرسي:
-ماذا تفعلين هنا أيتها الملعونة، اذهبي والعبي مع أخوتك في الخارج.
كانت أصوات الأطفالِ تتعالى بين ضحكٍ وشجار، طغى صياحُهم على العراكِ الذي كان يدور في الداخل.
غادرَ عل عجلٍ وقد احمر وجهه حنقًا وغيظاً، وبدا كثورٍ هائجٍ خرج لتوه من حلبة المصارعة. رفعت أمي يديها وطفقت تدعي عليه بحرقة:
-الله لا يوفقك، ولا يسامحك يا ظالم، لم أسدد ثمنه بعد.
خرجتُ من مخبئي، ألقيتُ بنفسي في حضنها، وتردد صدى بكائنا في أرجاء المنزل، بينما كانت تتصاعد الضوضاء في الخارج .
أفقتُ على صوت الزغاريد ترنَّ في أذني، وتنتزعني من براثن الذكريات الأليمة، ذكريات تعود لعشرة أعوام خلت، حفرها الزمنُ في مخيلة طفلةٍ لم تكن قد تجاوزت عامها السادس آنذاك.
تنبهتُ وعدّلتُ من ثوبي وشعري، اليوم أختي الكبيرة فاطمة ستُزفُ إلى عريسها أحمد. البيت يعمّه الفرح والأضواء الباهرة، النساء يتجولن في المنزل بكامل زينتهن، يتهادين بأثوابهن البرّاقة .أمي ترفلُ بثوبٍ فاخرٍ مخملي وهي تروح وتجيء في أرجاء المنزل بسعادة بالغة.
صورة أبي، بشريطها الأسود، تتصدر الحائط ، خُيِّلَ لي أنه يرمقني بنظرته الحادة ووجهه الصارم، أنظرُ إليه بتحدٍ مشوب بالحنان، إنه أبي أحبه رغم كل شيء.
بثوبها الأبيض، كانت فاطمة تبدو أجمل فتاة في الحفل، أسرعت إليها، حضنتني، قبلتها، وهمستُ في أذنها:
- لا تدعي أحمد يمزق معطفك الجديد…!
خديجة السيد
سوريا
