-->
مجلة دار الـعـرب الثقافية مجلة دار الـعـرب الثقافية
recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...
random

إشكالية التجنيس في العصر الحديث بقلم الأديب : د. عبد المجيد أحمد المحمود

 إشكالية التجنيس في العصر الحديث

بقلم الأديب المفكر السوري/ د. عبد المجيد أحمد المحمود 

دراسة  في نص * حينما لا تتوفر حلول أخرى *

للأديب المصري / محمد البنا

وتعقيب للقاص



....................

حينما لا تتوفر حلول أخرى

.............

قصة قصيرة

بقلم / محمد البنا

.............

انسلت من تحت الغطاء بهدوء، ومشت تعرف خطاها الواثقة طريقها إلى مطبخه، تتنازعها رياح لحظاتٍ مضت، تطيح برأسها لكن قدميها ثابتتان تتناوبان الخطى..في طريقها إليه كادت العاصفة تنحرف بسيارتها عن نهر الشارع، لكنها رابطة الجأش لا يطرف لها رمش، كانت تعلم أن الليلة عاصفة ملبدة الغيوم؛ وخرجت..اودعت قبلتين حانيتين على خدي ابنتيها، وأحكمت تدفئتهما، وغادرت!.. أمام بنايته السكنية عيناها تصعدان على درج الطوابق، استقرت عند نافذته المضاءة في الطابق السابع عشر؛ تنهدت بارتياح..أمام باب شقته تريثت لهنيهة قبل ان تعمل مفتاحها الخاص لفتحه؛ أرسلت رسالة مكتوبة " لانتتظرني، واعتني بابنتينا جيدا"..لم يتفاجأ بها قادمةً إليه في غنج، تلقاها بين ذراعيه كعادته

" أكم من مراتٍ حاولت وفشلت!" هكذا حدث نفسه، كان على يقينٍ تام بفشلها هذه المرة أيضًا، تلقته كعادتها قطعة صلصال يعيد تشكيلها، فرغ منها وغفا، ولم يتوقف كثيرًا عما أفصحت عنه عيناها، عزاه إلى شبقٍ طفح بعد طول غياب..توقف سيل اللحظات لحظة أن توقفت أمامه وبيدها شيءٌ يلمع نصله عاكسًا ضوء المصباح..الأحمر!

............

محمد البنا...القاهرة في ١٣ أكتوبر ٢٠٢٢

......................

القراءة


أعترف أن هذا النص هو من النصوص الإشكالية تجنيسيا، و التي تطرح علينا مرة أخرى أهمية التجنيس مقابل الحدث و الفكرة التي يتبناها النص.

فأنا لست مع اعتباره قصة قصيرة جدا بسبب العديد من الأمور منها:

* تعدد الشخصيات( المرأة، ابنتاها، زوجها، العشيق).

* تعدد التمفصلات في النص.

* تعدد زوايا التبئير فيه.

* تعدد الأماكن( المطبخ، البناية، الطابق رقم ١٧، شقة العشيق، الشارع، منزل الزوجية)

* و أخيرة اعتنائه الكبير بوصف المشهد.


نعم هو يضعنا في ذروة الحدث، لكنه لا يولد ذلك المعنى الانفجاري الذي ينبغي للقصة القصيرة جدا أن تفعله.


إذ إن ملخص القصة ( عشيقة تقتل عشيقها عن سبق إصرار، أو ربما تقدم على الانتحار)، و انتهى الموضوع هذا كل ما في الأمر، و ماذا بعد؟

هذا سؤال هاجسي في القص...

مهما حاولنا إيجاد مبررات لاقتراف جريمة القتل أو الانتحار، فهذا لا يولد لدينا معنى انفجاريا، ينزاح بنا عن الجريمة الحاصلة بالفعل أو التي على وشك الحصول.


 فالنص الماثل أمامنا لا يعالج 

موضوع الخيانة الزوجية، بل هو يرسم مشهد الخيانة، و مشهد الانتقام من الآخر أو من النفس، فلا هو لمح لأسباب تلك الخيانة، و لا هو لمح لأسباب الانتقام و لا نبه إلى المحرض لإنهاء تلك الخيانة، و إن كانت العشيقة تشعر بالإهانة من قبل العشيق لها و التي لمح لها النص في بعض عباراته، فقد كان أولى أن تشعر بالندم لسلوك الخيانة الذي تمارسه، و هو ما لم يلمح له النص.


كذلك يفتقد النص ما نسميه/ لحظة الإشعاع/ أو / لحظة التنوير/ و هي النقطة التي تنطلق منها كل قراءات القصة القصيرة جدا و تأويلاتها و تشظياتها.


ثم إن  اعتماد النص على الطريقة ما بعد الحداثية في كتابته، من خلال ازدحامه بالأحاسيس، و التناقضات و الفوضى إن كان على مستوى المشاعر، أو حتى الفوضى في التنقل السردي، و ذلك بهدف جر القارئ إلى هذا المعترك من الهواجس الإنسانية التي لا يكاد ينفك منها أي إنسان، كل ذلك لم يكن كافيا، و لم يصل مرحلة النمو و النضج لاعتباره قصة قصيرة، و إن غياب التسلسل السردي بكل أشكاله و أنماطه( ما بين البداية و العقدة و النهاية)، و الذي حتى السرد ما بعد الحداثي لا يتخلى عنه بشكل تام، هذا أيضا يبعدنا عن تجنيس هذا النص كقصة قصيرة.


الأهم من هذا و ذاك أن

القصة القصيرة جدا ينبغي في النهاية أن تمثل حدثا مكتملا في ذهن المتلقي و إن كانت سردا لا تبدو كذلك، حيث هي لحظة تأزم الحدث ثم يُترك للمتلقي افتكاك ظروفها و وضع الشروحات لها، لذلك دوما أقول إن:

القصة القصيرة جدا ستتحول لدى المتلقي إلى قصة قصيرة بتفاصيل و تشعبات كثيرة، يخلقها عقل القارئ المبدع و المشغول دوما بإيجاد التفسيرات و التعليلات، و تكون هذه التعليلات مبنية في القصة القصيرة جدا على مؤشرات دلالية نصية، و بسبب اختلاف زاوية الرؤية لكل متلقٍ لهذه الدلالات تختلف التأويلات و تتعدد النصوص الموازية.


النص قدم حالة مشهدية

اهتم بالصورة

اهتم باللون و الإضاءة

أثث لمسرح جريمة

فكأننا أمام لقطة من سيناريو فيلم أو أمام مشهد مسرحي مفعم بالانفعالات.

لذلك لعلي هنا أضع النص في خانة( مشهد قصصي).


لا شك أن لغة النص كانت عالية و مثيرة للفضول، و المشهدية كانت ممتازة، و لكننا كنا نتوقع أن نشهد مفاجأة ما، تحولا ما، تصورا ما، يختلف عن الفكرة التقليدية لمشهد الثلاثية:

عشق- خيانة- انتقام

و هذا ما لم يقدمه النص

و كان لا بد منه، لأن اللغة العالية و التشويق المؤثث له بشكل جيد في النص، لم يسيرا به نحو تجاوز و كسر ذلك المشهد التقليدي كما قلنا: عشق- خيانة- انتقام.


أعتقد هناك حلقة سردية مفقودة يحتاجها النص.

هناك شعرة قصيرة يحتاجها النص ليصبح نصا رائعا غير مسبوق في إطار النصوص التي تعالج موضوع الخيانة الزوجية.

بالنهاية و على المستوى الشخصي لست ممن يعتنون كثيرا بالتجنيس، لكن هناك بعض النصوص تضطرك اضطرارا لمحاولة تجنيسها قبل قراءتها لما في ذلك من تنوير لكيفية القراءة.

د. عبد المجيد أحمد المحمود..سورية في ١٩ أكتوبر ٢٠٢٢

............

تعقيب :

بادئ ذي بدء قراءة رائعة تستحق الوقوف عليها وتأملها مليًا وبذهنية منفتحة، بل ولن أغالي إن قلت عنها أنها درس قيم ومفيد ومثمر ويجب تدريسه، فيما يخص تجنيس العمل الأدبي.

أما تعقيبي فينصب على تقييد النص بالمثلث الشهير ( زوجة / زوج / عشيق)، أما كما أورده الناقد حرفيًا( عشق / خيانة/ انتقام)، فالفكرة تحتمل مخارج أخرى ومنها مثلا ( عشق/ خيانة / استسلام)، ( عشق / احساس بالخضوع/ ادمان )، وووو.

وعادتي في القص القصير أن أترك المسببات للمتلقي يتخيل منها ما يتوقعه سببًا للخيانة، ومن قبله السبب الدافع- العشق مثلا - للخيانة.

أهتم فقط بعرض الحدث بمشهدية حية ناطقة موحية، وأشرك المتلقي في صناعة النص ( مدرسة ما بعد حداثية)، ولا أتوقف كثيرا عند لحظة تفجر أو ذروة، لأنني في جل نصوصي أخالف عادة عن عمد المدرسة التقليدية ( مقدمة / ذروة / خاتمة ).

محمد البنا...القاهرة في ١٩ أكتوبر ٢٠٢٢

عن محرر المقال

aarb313@gmail.com

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مجلة دار العرب نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد االمقالات أول ً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

مجلة دار الـعـرب الثقافية

مجلة عراقية . ثقافية . أدبية

احصاءات المجلة

جميع الحقوق محفوظة لمجلة دار العرب الثقافية - تطوير مؤسسة إربد للخدمات التقنية 00962788311431

مجلة دار الـعـرب الثقافية