((العائلة))
أ. ناظم العراقي
العائلة
من قال إن تكوين عائلة هو الهدف الرئيس للزواج؟!
يتحدث الباحثون في الشؤون التأريخية و الاجتماعية عن نمو المجتمعات من خلال تلك العلاقات التي تربط الجماعات، والسلالات الحاكمة بمصاهرات هدفها تمتين تلك العلاقات. ومن ثم الوصول إلى سلم مجتمعي، يجنب الاطراف فيه سفك الدماء على الموارد، والنفوذ، والاحقاد التاريخية المتوارثة.
وكذا الحال في زواجات الرسول محمد "ص" من تلك القبائل التي كسب ولاءها في مسيرة الدعوة الاسلامية.
كما إن التجمعات القديمة للإنسان لم تعرف شكلا من تكوين عائلي كما نعرفه اليوم، فقد سبق وأن كانت الأم هي من تقوم بمهام الرجل من رعاية الطفل والانتساب اليها، بدلا من الرجل(الاب) الذي اقتصر دوره في التلقيح من دون مسؤولية تذكر.
لماذا كانت العائلة الابوية هي المحور بدلا من محور الأم بعد ذلك!؟
يشير بعض المفكرين ك" ماركس" إلى تبدل أنماط العيش، من حقبة كان جمع الثمار، ومطاردة الحيوانات، هو السائد، إلى حقبة أخرى عرف الانسان فيها الزراعة وتدجين الحيوانات، وتسييج الارض التي حوله، ثم اختيار امرأة تقوم برعايته ورعاية الأطفال، وحفظه جنسيا كشرط اساس من شروطه. وأن تكون السيادة له وحده في هذا المكان الذي يسمى منزلا.
وقد ساهمت الحروب في تعزيز سلطة الرجال على النساء. حتى تبدلت الاوضاع في العصر الحديث، سيما في القرن التاسع عشر (ذروة الصناعة).
بالإضافة إلى ذلك فقد ساهمت الاديان ولاسيما الإبراهيمية على سلطة الرجل، ومكانته كعماد في البيت، وبصفته مسؤولا عن توفير الامن، والحاجات الاساسية المادية والمعنوية لهذا البيت. وأن دور المرأة اقتصر على تربية الابناء على الفضيلة، والطاعة، والسلوك الحسن.
ذكرت انفا أن القرن التاسع عشر يعتبر قرن التحول من نمط زراعي كان سائدا، إلى نمط جديد صارت الصناعة فيه هي السائدة، حتى سميت تلك البلدان بالصناعية. وهنا وجب التنبيه أن هذا النمط الجديد لم يكن سائدا في جميع انحاء الارض، بل في رقعة جغرافية صغيرة اقتصرت في اوربا الغربية، وأميركا الشمالية والوسطى. وبقي غالب البلدان على نمطه الزراعي القديم.
وانا هنا لا أتبنى وجهة نظر اقتصادية في التغيير الاجتماعي وإنما بقصد التوضيح إلى نمو مجتمعات جديدة تخلت عن قيمها وأفكارها القديمة. حيث كان للمفكرين والفلاسفة ورجال الدين المصلحين دور فاعل بهذا التغيير إضافة لدور الاقتصاد والاقتصاديين.
فنمت المدن الكبرى في لندن وباريس وبرلين ونيويورك...
وكان انسان هذه الحقبة يختلف في افكاره وطموحاته، وصارت أكثر أنوية(انا). وتمثلت الليبرالية فلسفة اقتصادية، والبراغماتية فلسفة عملية. لهذا الانسان الجديد.
وحتى نهاية القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين، لم يحدث كبير شأن يخص العائلة، إلا عقب الحربين العالميتين الاولى والثانية. حتى لو اخذنا بنظر الاعتبار التغير من العائلة الممتدة إلى العائلة النووية. اذ بقيت تمارس دورها المنوط بها على الرغم من التصدعات التي رافقتها.
لقد كتب المفكر والمنظر السياسي العالمي، فرانسيس فوكوياما كتابه "التصدع العظيم" خص فيه تغير العائلة نحو الاسوأ منذ انفجار الثورة الجنسية في الولايات المتحدة الأميركية، وامتداد اثارها في اوربا الغربية ابان الستينيات من القرن الماضي. فقد ظهرت حراكات شبابية يمكن ان يقال انها كانت نتيجة الحروب، وانتشار العبث الانساني، بعد ملايين القتلى في الجبهات، وشعور هذا الشاب بضياع مستقبله، لانه ببساطة يتم يحديده من قبل الكبار!!
لذا كانت هذه الثورات للتخلص من القيم العائلية "المحافظة" اذا صح التعبير. وقد تم الرد على فوكوياما على أنه قد تبنى نظرة دينية اتجاه العائلة، لا تتوافق مع المدنية التي حظي بها الناس بهزيمة الانظمة الشمولية، وتحكمها بمصائر الناس ومستقبلهم.
وهنا يطرح تساؤلا وجيها: هل وصلت بقية البلدان والمجتمعات إلى الطور الصناعي بكل قيمه المدنية!؟
الإجابة: لا.
هذا يعني أن تلك المجتمعات تواجه نوعا اخر من الهموم الانسانية لم تصل الى بقية بني البشر بعد.
هذا صحيح في حدوده، ولكن قد تغير كل شيء عند ظهور الانترنت، وهيمنة العولمة الثقافية، التي تأتينا عبر الفضاء التكنولوجي، وصار ابناء البلدان التي لم تصلها تحديثات الصناعة ولا التكنولوجيا الحديثة تتأثر بشكل مباشر بقيم تتعارض مع ما تربوا عليه. واول هذه القيم تتمثل في الطاعة، والفضيلة، والسلوك الحسن!!
فقيمة الحرية تتغلب عند الشباب على قيمة الطاعة، وقيمة التجربة تتغلب على الفضيلة، والسلوك الفردي تغلب على التأثير الجماعي ولو كان غير لائقا أو مستهجنا. فالعولمة جاءت تحاكي شبابا لم يختبروا الشروط المجتمعية التاريخية لبلدانهم، فقفزوا عليها، وتشربوا قيم تبدو أكثر افقا وعالمية.
فهل ما فعلوه ويفعلوه باطل !؟
نرجع هنا لإصل الموضوع. ونسأل ما أثر ذلك على العائلة؟
أولا: لم تختبر العائلة وأفرادها القيم المدنية قبل الانفتاح(الحرية، الفردية، التجربة).
ثانيا: تمارس العائلة تربية أبوية اساسها قيم دينية.
ثالثا: لاتزال اغلب العوائل ممتدة وليست نووية.
في مقابل هذه المقدمات، نرى نتائج مفاجئة!
أولا: تحررت المرأة من سلطة الزوج بالوظيفة، والطلاق، والترمل. وبقيت اسيرة للعادات والتقاليد الاجتماعية.
ثانيا: تقبل الزوج عمل زوجته ليس انفتاحا وإنما اضطرارا لدواع اقتصادية.
ثالثا: صارت تربية الابناء صعبة وتحت تأثير مباشر للتواصل الاجتماعي فصار الفرد منهم اسير للتقليد الديني (دون نقد) من جهة، وتواق لتفاهة المرئيات كالتيك توك من جهة أخرى.
إن تكوين عائلة يتطلب الاخذ بنظر الإعتبار نضج الطرفين، ودوافع حقيقية للأبوة والأمومة. وهذا يحتاج تقدم في السن(كحد ادنى 30 سنة للذكور، و 25 للاناث)، وتحصيل علمي جيد جدا، وسلامة نفسية، وكفاية مادية.
ولكن ما يحصل في الواقع مثير للشفقة والحزن. فعندنا تسأل الاب أو الام لماذا زوجتي ابنك بهذا العمر المبكر؟
يجيبونك: حتى يعقل. أو بعبارة شائعة أكثر:
شنسويله إذا شايل ماله على ظهره ويفتر !!!