لحظة للبيع
بقلم حميد محمد الهاشم
لم أعد مهتما بشيء،ولا شيء مهتم بي ،سوى حذائي القديم، كان وزيراً لي في عشرات الشوارع التي كنت أجوبها ،كان يدّلني أحيانا على الطرقات الضائعة في الأمس.
كان يحادثني وكنت احادثه.
يشعر بالنشوة عند السير ،
ويتأوه.. هكذا ،...أسمعه من الأسفلت المصاب بهستريا الصيف.
أشعر به منتشياً مثلي، عند الجلوس تحت ظل أشجار الكاليبتوس بعد رحيله بين الذكريات اليابسة.
كان حذاء مخلصا لي، عشرُ سنوات يتبعني وأتبعه.
الأيمن أُصيبَ بجرحين ،وتم ترقيعه بمهارة عند الأسكافي صديقي ،المدعو أبو الريش.
الأيسر بثلاث جروح.. ،خياطة ماهرة ودن قِطَعِ غيار من جلود عفنة.
يا صديقي العزيز لم أعد مهتما بشيء.
قدماي طارتا في الفضاء عند الدوي الأخير.
طارتا ولم تهبطا.
أنا لم أرهما بعد ذلك..لكنني سأودّعكَ بجراحاتك وجراحاتي.
ها أنا بعكازي اتخبط بسوق النبلاء الفقراء.
من يشتري رفيقي هذين.؟
دون أن ينطقا ، رحلا مني بلا عناد ،وبلامساومة..ليلتحقا بمتسكع آخر، وهما في دهاليز الشيخوخة الداكنة.
رحتُ اختلس النظر إليهما خلسة، وهما يبتعدان عني...ينظران لي خلسة أيضا.
قلبي مليء بالجراح مثل ظهري ، موشوم بذكريات الخناجر الغادرة.
وأنا على أبواب السوق منكسرا ً بعكازي،حافي الرأس.
.ثمة مَن :
" انت يا هذا هل تبيع"؟!
ماذا أبيع أيها الخنجر المزمن.؟َ
لم أعد أملكُ أو مهتما بشيء.
"عكازاك..عكازاك...ألم تبيعهما.
فاللحظة هي كلها للبيع."
حميد محمد الهاشم/ العراق

