قراءة في قصة "طريق" للكاتب المصري مهاب حسين مصطفى
________________
_ﻃﺮﻳﻖ
ﻋﺜﺮﺕ ﻋﻠﻴﻪ ... ﻭﻟﻤﺎ ﻫﻤﻤّﺖُ ﺑﺎﺭﺗﺪﺍﺋﻪ؛ ﺍﻧﺸﻘﺖ ﺍﻟﺸﻮﺍﺭﻉ ﻭﺗﻘﺎﻃﺮ ﺍﻟﻌﺴﺲ، ﻳﻘﺘﻔﻮﻥ ﺍﻷﺛﺮ. ﺩﺍﻫﻤﻮﺍ ﺍﻟﺒﻴﻮﺕ، ﺻﺎﺩﺭﻭﺍ ﺍﻟﻬﻮﻳﺎﺕ؛
ﺧﻠﻌﺘﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺎﻝ؛ ﻭﻋﺪﺕُ ﺳﺎﻟﻤﺎً ..
ﺃﺧﺒﺊ ﻭﺟﻬﻲ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ.!
________________
-العنونة؛ (طريق)
الطريق في الاصطلاح الممر يطرقه الناس، ويسلكونه لقضاء مصالحهم، ويعرّف أيضا بأنه مسلك يسلكه الإنسان في فعلٍ، محموداً كان أو مذموماً.. واختيار الكاتب لعنوان من مفردة واحدة نكرة (طريق) يجعل الباب مفتوحا لعدة تأويلات، فهل نحن أمام الطريق بالمعنى الإصطلاحي أم نهجا وسلوكا ..؟
-المتن
(عثرتُ عليه..)
هذه العتبة تثير فضول المتلقي للوهلة الأولى، وتذكي حاسة التشويق لديه، فما هو ذلك الشيء الذي يبحث عنه بطل القصة وقد وجده فعلا؟
(ﻭﻟﻤﺎ ﻫﻤﻤّﺖُ ﺑﺎﺭﺗﺪﺍﺋﻪ؛ ﺍﻧﺸﻘﺖ ﺍﻟﺸﻮﺍﺭﻉ ﻭﺗﻘﺎﻃﺮ ﺍﻟﻌﺴﺲ..)
ذلك الشيء الذي وجده بطل القصة ربما كان شيئا يخصه، لكنه لمجرد التفكير في ارتدائه حدثت ضجة عارمة، فثارت الشوارع وتقاطر العسس؛ (ﻳﻘﺘﻔﻮﻥ ﺍﻷﺛﺮ، ﺩﺍﻫﻤﻮﺍ ﺍﻟﺒﻴﻮﺕ، ﺻﺎﺩﺭﻭﺍ ﺍﻟﻬﻮﻳﺎﺕ؛)
(إقتفاء الأثر، المداهمة، مصادرة الهويات... كلها أفعال تشير إلى سياسات الدول البوليسية القمعية التي تحدث ضد من يزعمون أنه يؤنب الرأي العام أو يهدد الأمن القومي، وهذا يجعلنا نتساءل أي جريمة نكراء يوشك البطل أن يرتكبها؟ وأي مخالفة عظيمة تلك التي يكاد أن يقع فيها؟
(ﺧﻠﻌﺘﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺎﻝ؛ ﻭﻋﺪﺕُ ﺳﺎﻟﻤﺎً ..)
لم يجد البطل من سبيل للخروج من تلك المعضلة إلا أن يخلع ذلك الشيء الذي سبب له كل تلك المشاكل وأوقعه في تلك المحنة، وهنا يضعنا الكاتب -بعد كل هذا السرد الجميل- في موقف من الفضول الجامح لا نحسد عليه حول ماهية ذلك الشيء، لتأتي القفلة بالخبر اليقين.
(ﺃﺧﺒﺊ ﻭﺟﻬﻲ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ .!)
هنا يجب أن نقف مع هذه القفلة لأنها تحمل رمزا مبهما يتمحور حوله جوهر النص، فلعل الوجه هنا رمزا لسلوك أو تصرف غير مرغوب من طرف ذلك الضد الذي ثارت ثائرته لمجرد تفكير البطل في ارتدائه.
في الأنظمة الإستبدادية يكون القمع عادة وسيلة للترغيب والتهيب، وفي دول الفساد تكثر الأقنعة، ويغيب الضمير، وينتشر النفاق والتملق والكذب... فلا يجد الإنسان المستقيم مكانا له إلا إذا تخلى عن مبادئه وساير القطيع في سلوكهم ونهجهم، رغم ما في النفس من نكران لذلك.
هذا النص تعالج ثيمته قضية التلون، حيث يعيش الإنسان رهين نهج ربما لا يؤمن به ولا يتبناه خوفا أو طمعا.
النص مكثف بدرجة عالية واعتنا كاتبنا بشكل كبير باللغة، وجمال السرد، والترميز وعلامات الترقيم، وأحدث صدمة قوية للمتلقي في القفلة مما رفع القيمة الفنية للنص، لكن قوله (ﻭﻟﻤﺎ ﻫﻤﻤّﺖُ ﺑﺎﺭﺗﺪﺍﺋﻪ؛ ﺍﻧﺸﻘﺖ ﺍﻟﺸﻮﺍﺭﻉ ﻭﺗﻘﺎﻃﺮ ﺍﻟﻌﺴﺲ..) ثم يأتي ويقول (ﺧﻠﻌﺘﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺎﻝ؛ ﻭﻋﺪﺕُ ﺳﺎﻟﻤﺎً ..)
هنا يقد يقول أي قارئ حصيف أن الكاتب وقع في خطأ، لأنه من غير المنطقي أن تكون تلك الضجة قد وقعت لمجرد أن رام البطل ذلك الفعل، ثم يأتي الكاتب ويقول أنه ارتداه وخلعه، وهنا يأتي التناقض صريحا جدا.
_____________
الكاتب/ محمدو ولد بوبكر