الحوار الراقص
بورك الإبداع.. نص مميز ويحمل عامل التجديد والأصالة
كنانة عيسى
شرود
قصة قصيرة
صديقة علي
كعادته، يستدعيني من المطبخ؛كي أجيب على هاتف يرنّ بإلحاح،
أجفّف يديَّ، وأنا أرمقه بلوم، حتى أنّه لا يرفع نظرُه إليّ، غارقًا في جريدته، يرشف قهوته الباردة بهدوء مستفز.
_آلو ..آلو
ـ نعم
ـ آسف سيدتي ..أنا والد جورج، آسف للاتصال في هذا الوقت المبكر ..
تدفقتِ الدماءُ في وجهي، يتسارع نبضي،غمامة تشوِّش نظري، جفافٌ يُعيقُ كلماتي.
ـ سيدتي! سيدتي! أردت فقط الاطمئنان على ولدي إن كان في ضيافتكم... منذ البارحةِ وأنا أبحثُ عن رقمكم.
ـ نعم سيدي هو نائمٌ مع ابني أحمد.
..سيدي! لا أدري إن كنتُ قد قلتُ هذا أم لا!
كان ابني مرتبكًا وهو يشرحُ لي أنّ صديقه سيبيتُ عنده:
ـ ليلة فقط.. ليلة فقط يا أمّي فهو مطرود من بيته، والده شديد الغضب والقسوة.
الفضول دفعني لانتظاره، ولمّا دخلتُ عليهما، عقدتِ الدهشةُ لساني، شعَرتُ أنّ قدميَّ ماعادتا قادرتين على حملي، اِتَّكأتُ على الباب القلق.
ـ أمّي هذا صديقي جورج..أعرّفُكَ ماما ..
ـ ابنُ من أنت يا بني ؟
لا تُجِب، فأنا عرفْتُك بشعرِك الأسودِ اللامعِ المُسرَّحِ إلى الوراء، بجبهتِك العاليةِ، بسوادِ عينيكَ بشفتيكَ النبيذيَّتينِ، بسُمرتِكَ الآسرة، نعم تذكَّرْتُكَ. بحاجبيكَ المعقوديْنِ
ياعاقِدَ الحاجبينِ على الجبينِ اللجينِ إنْ كُنتَ تنوي قتلِي قتلتني مرّتين
وتضحكُ، نعم كُنْتَ تضحكُ كلما غنّيت لك.
أمّي، أين شردْتِ! صديقي يكلِّمُكِ
ـ أها ...نعم... نعم أنا معكُما .. متى عُدتم من الغربة ؟
ـ عُدنا!
- نعم أمّي عادوا منذ سنتين مع دخولِنا الجامعة، لكن كيف عرفْتِ؟ لم أكلّمْكِ عن هذا من قبل؟
ـ كيف عَرَفتُ؟!
ـ تسافر!
- ومايبقيني في بلد يجرّمُ عشقي؟
ـوأنا!
ـ أنتِ ستبقين آلهة العشق قيثارة ليلي.. نبضي الذي أحيا به، لا تبكي، هذه هي أقدارُنا الظالمة.
ـوأنا !
ـ ستنسين.
أمّي، كعادتك دائمة الشرود، صديقي لا يحب البطاطا المقلية، أرجو أن تُحَضِّري لنا العشاء بدونها.
ـ هل يوجدُ شابٌّ لا يحبُّ البطاطا المقلية؟ يُقال أنّها ترفعُ هرمون السعادة.
ـ أنا لا أحبها، أُحِبُّك أنتِ... سعادتي أنت.
ـ أمّي... أمّي ...
توقظِني يده وهو يربّتُ على كتفي .
حتّى سعادتي بالسرحان يستكثرونها عليّ.
أغادر غرفتَه تسابقني دموعي .
ـ الله لا يحرمك هذه العادة، ذهنُكِ شاردٌ دائما ! اِغْلِقي سمّاعةَ الهاتف جيِّدًا يا امرأة.لم تقولي لي من المتصل!
ـ ماذا تقول ؟ أها... المتصل! هو... هو شخصٌ أخطأ الرقم.