-->
مجلة دار الـعـرب الثقافية مجلة دار الـعـرب الثقافية
recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...
random

الأستاذة كنانة عيسى تكتب : الشخصيات الصامتة والحوار الراقص في نص شرود للأديبة صديقة علي

 الحوار الراقص


في نص (شرود).. نرى سردًا شيقًا،ذا نكهة مسرحية تخطى حاجز العادي والمألوف بلغة متمكنة وتصوير رشيق واضح لأطياف الشخصيات الصامتة (جورج الذي لا يحب البطاطا المقلية، الزوج الكسول البارد الذي يشرب قهوته ببرود مستفز) قبل الشخصيات الفاعلة(الساردة ،الحبيب القديم) و بتقنية مذهلة لتوظيف الحوار الراقص(الذي يخلق مشهدية مسرحية حادة بتغير الشخصيتين المتحاورتين بشكل مفاجئ) ، ورغم أنه يضيء تلك الفكرة القاهرة المألوفة للحب الممنوع الذي لا يشرعه الدين ولا المجتمع، إلا أنه بقي الحب العابر للطوائف،و المعتقدات و المنظور الأخلاقي المتحيزو الذاكرة الإنسانية والذي أعدمته الكاتبة كنوع من الكشف الواقعي للحقيقة و بغية خلق مصداقية لشرود وارتباك الساردة النفسي (كشخصية تتحكم في مجرى السرد) بتقنية توظيف الحوار المتنقل بين مشاهد الماضي والحاضر بين، الساردة وحبيبهاو الساردة وابنها، كما ورد في النص :
لم أكلّمك عن هذا من قبل؟
ـ كيف عرفتُ ..؟

ـ تسافر …؟
ومايبقيني في بلد يجرم عشقي؟
ـوأنا! ؟

هذا التقنية الصادمة (الحوار الراقص) تنقل القارئ من مشهدية متجذرة في أعماق نفسية الساردة التي تعاني ألم التشظي العاطفي الذي لم يضع له الزمن نهايةو الذي دفعت ثمنه هنا الأنثى وحدها في مواجهة غير متكافئة، في زواج خالي ٍمن الحب والعطف والشغف يقابله هروب الرجل من المعادلة ولوم واقعه وتجريمه له.إلى مشهدية حاضر بعيد عن الحياد.
وإن ما زالت تشقى في حب غائب الهوية ،فاقد للمصداقية، محكوم بالإعدام، تتابع أخبار من عشقته، دون رصد لحقيقة أنّ القدر وضع نهاية لقصة عشقية وحدها ما زالت تعيشها،
قصة سيجهضها جبن الرجل وقهر الواقع وتبقى فيها المرأة حبيسة ذكريات قارسة، تغيبها عن واقعها وتجعلها في حالة شرود مستمر
يحاكمها من حولها عليه، وتأبى الخاتمة إلا أن تظهر أن الساردة ستحاول رفضًا ذاتيًا لقصة عشقها القديم، فالمتصل (العاشق القديم) الذي ما زال في ذاكرتها قد أخطأ قبلًا بالتخلي عنها وهي الآن تعلن اتصاله القدري بها كنوع من الخطأ والرفض.

بورك الإبداع.. نص مميز ويحمل عامل التجديد والأصالة

كنانة عيسى 


شرود
قصة قصيرة
صديقة علي
كعادته، يستدعيني من المطبخ؛كي أجيب على هاتف يرنّ بإلحاح،
أجفّف يديَّ، وأنا أرمقه بلوم، حتى أنّه لا يرفع نظرُه إليّ، غارقًا في جريدته، يرشف قهوته الباردة بهدوء مستفز.
_آلو ..آلو
ـ نعم
ـ آسف سيدتي ..أنا والد جورج، آسف للاتصال في هذا الوقت المبكر ..
تدفقتِ الدماءُ في وجهي، يتسارع نبضي،غمامة تشوِّش نظري، جفافٌ يُعيقُ كلماتي.

ـ سيدتي! سيدتي! أردت فقط الاطمئنان على ولدي إن كان في ضيافتكم... منذ البارحةِ وأنا أبحثُ عن رقمكم.
ـ نعم سيدي هو نائمٌ مع ابني أحمد.
..سيدي! لا أدري إن كنتُ قد قلتُ هذا أم لا!
كان ابني مرتبكًا وهو يشرحُ لي أنّ صديقه سيبيتُ عنده:
ـ ليلة فقط.. ليلة فقط يا أمّي فهو مطرود من بيته، والده شديد الغضب والقسوة.
الفضول دفعني لانتظاره، ولمّا دخلتُ عليهما، عقدتِ الدهشةُ لساني، شعَرتُ أنّ قدميَّ ماعادتا قادرتين على حملي، اِتَّكأتُ على الباب القلق.
ـ أمّي هذا صديقي جورج..أعرّفُكَ ماما ..
ـ ابنُ من أنت يا بني ؟
لا تُجِب، فأنا عرفْتُك بشعرِك الأسودِ اللامعِ المُسرَّحِ إلى الوراء، بجبهتِك العاليةِ، بسوادِ عينيكَ بشفتيكَ النبيذيَّتينِ، بسُمرتِكَ الآسرة، نعم تذكَّرْتُكَ. بحاجبيكَ المعقوديْنِ
ياعاقِدَ الحاجبينِ على الجبينِ اللجينِ إنْ كُنتَ تنوي قتلِي قتلتني مرّتين
وتضحكُ، نعم كُنْتَ تضحكُ كلما غنّيت لك.
أمّي، أين شردْتِ! صديقي يكلِّمُكِ
ـ أها ...نعم... نعم أنا معكُما .. متى عُدتم من الغربة ؟
ـ عُدنا!
- نعم أمّي عادوا منذ سنتين مع دخولِنا الجامعة، لكن كيف عرفْتِ؟ لم أكلّمْكِ عن هذا من قبل؟
ـ كيف عَرَفتُ؟!
ـ تسافر!
- ومايبقيني في بلد يجرّمُ عشقي؟
ـوأنا!
ـ أنتِ ستبقين آلهة العشق قيثارة ليلي.. نبضي الذي أحيا به، لا تبكي، هذه هي أقدارُنا الظالمة.
ـوأنا !
ـ ستنسين.
أمّي، كعادتك دائمة الشرود، صديقي لا يحب البطاطا المقلية، أرجو أن تُحَضِّري لنا العشاء بدونها.
ـ هل يوجدُ شابٌّ لا يحبُّ البطاطا المقلية؟ يُقال أنّها ترفعُ هرمون السعادة.
ـ أنا لا أحبها، أُحِبُّك أنتِ... سعادتي أنت.
ـ أمّي... أمّي ...
توقظِني يده وهو يربّتُ على كتفي .
حتّى سعادتي بالسرحان يستكثرونها عليّ.
أغادر غرفتَه تسابقني دموعي .
ـ الله لا يحرمك هذه العادة، ذهنُكِ شاردٌ دائما ! اِغْلِقي سمّاعةَ الهاتف جيِّدًا يا امرأة.لم تقولي لي من المتصل!
ـ ماذا تقول ؟ أها... المتصل! هو... هو شخصٌ أخطأ الرقم.





عن محرر المقال

صديقة علي

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مجلة دار العرب نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد االمقالات أول ً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

مجلة دار الـعـرب الثقافية

مجلة عراقية . ثقافية . أدبية

احصاءات المجلة

1572718

جميع الحقوق محفوظة لمجلة دار العرب الثقافية - تطوير مؤسسة إربد للخدمات التقنية 00962788311431

مجلة دار الـعـرب الثقافية