-->
مجلة دار الـعـرب الثقافية مجلة دار الـعـرب الثقافية
recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...
random

قراءة متأنية في قصة - رماد امرأة - للمبدعة السودانية رانيا بخاري .... حفناوي سيد . الجزائر

 قراءة متأنية في قصة - رماد امرأة - للمبدعة السودانية رانيا بخاري

حفناوي سيد . الجزائر




اختارت الاستاذة رانية رانيا بخاري شهر يناير لتعلن عن ميلاد أحداث قصتها المثيرة للجدل ..
فهذه الكاتبة تفضل ان تعيش أحداث قصصها في فصل الشتاء البارد .. لأن البيئة التي عاشت فيها طفولتها كانت حارة وشمسها كانت تحجب عن السكان نعمة البرودة والظلال الوارفة ورونق الرطوبة والنعيم الشتوي الأخاذ ..!!
Cette auteure fait l'éloge de la vie hivernale qu'elle ne retrouve plus au Soudan .. ce pays chaud et tropical où le soleil règne et domine toute la contrée..un pays où il ne pleut que peu et où il ne gèle que peu..!!
لعل كاتبتنا تعيش سباتها السردي الغير معلن وتتخفى عن اشعة الشمس الكاشفة خشية ان تخرج كلماتها الى النور لتراقص الشمس مع نبتة عبادة الشمس وتأخذ السمرة من سماء السودان الحاضنة لكل تراب النيل الازرق الدافء الجميل.
إنه الأول من شهر يناير..
الريح تصفر صفيراً شديداً يعبث بالأبواب
الريح هنا دلالة ثانية على ان المبدعة رانية البخاري لا تحب ان يكسر صوت الريح سباتها لأن ذاتها التي كانت نائمة في مغارة النمل .. ترفض ان تستغرق من سباتها العميق .. ذات تخاف ان طرق الصرصور بيتها البعيد عن الانظار..!!
ولأن غيبوبتها السردية ترفض أن يدق جاكسون بابها وهي تنام بين اكوام القمح واكياس الحنطة وصناديق التمر المجفف .. وأكوام الأطعمة المحفوظة بعناية شديدة .. وهي تفضل أن تصور الليل متقطعا لتقدمه في قصتها على مراحل متتالية ومتعددة .. لتجعل المتلقي يعيش كل مرحلة من سردها منفصلة عن الاخرى.. وليعرف لانها لا تسهب في النعاس ولا تعرف الاحلام الطويلة أبدا..!!
تنتقل الكاتبة من صفير الريح وظلام الليل وسحر سكون الفجر الحالم الى صوت الضمير المدوي بداخلها ..
تنتقل الى صوت الٱذان لا لتفسد على الحالمين نعمة كسلهم وحلاوة نومهم في جرار العسل الابيض .. بل لتكشف لهم زيف احلامهم الوردية .. وتدفع فيهم الهمة والعزينة والنشاط .. !!
اختيار اسم ساحة جاكسون يرتبط في اللاشعور السردي عند الكاتبة وهي لا تعي ذلك أبدا .. بالصرصور الذي يطرق ابواب بيوت النمل وهم في سبات عظيم.. !!
هذه القاصة تكتب بلاوعيها الراقص على انغام من استطاعوا تحدي الفقر وسواد البشرة لاسترجاع الكرامة لبنات النيل الأزرق...!!
# أذان الفجر ألجم دويّ الريح#
هكذا غرقت الكاتبة بين الظلام ونور الفجر التقدم لنا بطلة قصتها وهي تنقلب على شقِّها الأيسر لتفتح عينيها بصعوبة .. صعوبة اليقظة وصعوبة الرجوع الى طبيعة النشاط اليومي الذي كانت تمارسه يوميا في بلد تعرف شموسه بانها ليست دوما دافئة ..بل تكون أحيانا حارقة وقاتلة .. !!
تقدم لنا القاصة بطلتها وهي تحسم أمرها .. و تلعن إبليس: # (الله يلعنك يا إبليس) #
إستعمال المخلوقات الغير مكشوفة له دلالة قصصية كبيرة في كتاباتك رانيا بخاري يحب هنا ان ننوه بكل ما تقدمه هذه المبدعة من أدب جد متميز .. ومن رموز حد خاصة وجد متميزة ودقيقة..!!
هنا ساتوقف قليلاً لانوه يقدرة الكاتبة على التلاعب بالزمن وادواته بسهولة تامة .. فهي تستعمل الكائنات الغير مرئية للدلالة على عدم قدرتنا على إدراك عجلة الزمن
l'horloge du temps
فهي تعتبر النوم والسعادة والنعاس والغفلة والسنة من دلالات ضعف الانسان .. خاصة الانسان الكادح الذي يرغم على الذهاب لعمله ليلا ليعود بقوته في المساء .. ويضمن لبيته وصغاره لقمة العيش والحياة الكريمة.
هذه الكاتبة متمرسة في قراءة روايات البؤساء
les romans des misérables
وهي تعرف تماما الفرق بين ليل الطغاة ولي التعساء
les nuits folles des gens aisés et les nuits blanches des pauvres malheureux
وهناك تتجلى خيوط القصة التي اختارت لها الكاتبة عنوانا مختلفا #رماد امراة# لتحملنا الى قصص النسأء اللواتي تم احراقهن لانهن اقترفن ذنب المتعة وذنب النوم والراحة والطمأنينة ومعاشرة الأحلام اللذيذة في أواخر ليالي الشتاء السودانية الحالمة ..!!
هكذا تمتمت زينب
ومن ثم توضأت لصلاة الفجر
وبعد أداء صلاتها
بدأت بتجهيز أدوات عملها
استعداداً ليوم جديد
حملتها متوجهة إلى مقر عملها
بميدان جاكسون بالخرطوم
زينب هي البطلة التي تستطيع تكسير حلمها وتستطيع التوجه الى العمل في أواخر الليل .. تستطيع أن تستغني عن نومها وراحتها ودفء فراشها الناعم لتلتحق بمقر عملها بعد ان تتوضأ وتجهز ادوات عملها و تتجه الى ميدان جاكسون بالخرطوم.
قامت القاصة بتحديد فضاء قصتها ببراعة شديدة بل أخبرت القارىء باسم الميدان الذي تتجمع فيه نساء المدينة كل ليلة .. لتحضير الشاي وبيعه للمارة في مدينة عريقة جدا بالسودان الشقيق.
لعل القراء الذين تعرفوا على ساحة جاكسون Jackson بختلفون عن الذين يعرفون اسم Jackson فقط ..
فالاسم الاول لساحة شهيرة لعاصمة النيل الازرق تشتهر بوجود نساء يبعن الشاي على ناصية الطريق .. والاسم الثاني يذكرنا جميعا برجل عاش البذخ حتى الموت .. وربما ذهب #لا شعور # الكاتبة هذه المرة لتقدم في قصتها صورة لنساء يبعن الشاي وهن يرقصن على موسيقى البوب ٱرت الشهيرة pop art songs ..
فبدت لها صورتهن وهن يرقصن على انغام الابريق وهو يرسل موسيقاه الحالمة في ساحة جاكسون .. قريبة جدا من الساحات الامريكية الباذخة .. !!!
Il paraît que cette écrivaine a eu l'impression de voir que les femmes qui vendaient du thé au cœur de Khartoum à la place Jackson.. sont celles qu'on voit danser dans les podiums des grandes vedettes du pop art..!!
وهناك وجدت في قراءتي طريقا للدخول الى الانا الذي كانت تكتب به زميلتنا المبدعة السودانية قصتها المدهشة رماد امرأة .. les cendres d'une femme
le moi avec lequel écrit notre nouvelliste est très rattaché aux USA et aux rites des femmes dépourvues de liberté
رماد امرأة... أ
عنوان كان من المفروض ان يستفزني منذ الوهلة الأولى لكن الكاتبة حجبته عن قلمي الناقد لاعود اليه بين ثنايا سحر ليالي الخرطوم الحالمة .. واترك بقية مقاطع القصة المتعاقبة كتعاقب الليل الاسود المخيف في مخيلتي .. !!
#يلهج لسانها بـ : الحمد الله الذي أماتنا ثم أحيانا أصبحنا وأصبح الملك لله#
ثم تعود القاصة رانية البخاري لتذكرنا بأن نسوة المدينة الحالمة يحمدن الله كثيرا حين يكتشفن بأنهن لست من رماد وان الحياة عادت إليهن مع كل فجر يوم جديد ...بعد قضاء يوم كامل تحت شمس الخرطوم الحارقة وليلة كاملة بين اخضان الأحلام المستحيلة....
واذا اعتبرنا ان القاصة تكتب بأناها الذي يعتبر ان المرأة تمانا مثل الشاي .. تحضر وتصفى وتصب في الاكواب لتقدم إلى أول زبون يريد الظفر بها .. ليجعل منها ديكورا في بيته طول العمر .. !!
#وقفت في الشارع العام تنتظر مواصلات الخرطوم#
#تتلفت يمنة ويسرة والشارع يكاد يخلو إلا من بعض الرجال القادمين من صلاة الفجر#
في هذه الصورة نجد خلو الشوارع من النساء ليلا .. لأن المرأة ممنوعة من الحياة والمشاركة في صناعة النشاط اليومي لسكان الخرطوم .. رغم أنها عاصمة كبيرة وفيها كثافة سكانية كبيرة .. وهذه إشارة الى ان الرجل له سلطة كبيرة على المرأة .. ولا تجد مجالا لمنافسة الرجل في كل مجالات الحياة..
#وبعد انتظار قارب نصف الساعة لاحت من على البعد عربة ترسل إضاءة طويلة أمامها#
une lumière des phares du taxi de service .. une belle image nocturne .. beaucoup de choses nocturnes traversées par une lueur comme si l'auteur veut dévoiler la noirceur de la nuit..
وتستمر الكاتبة في الخروج من ظلمة النص لتسلط عليه النور الكاشف .. فأرسل عليه الكثير من الوضوح وأخرجته من العتمة إلى واجهة الحقيقة.
#فالوقت مازال مبكراً ، والطريق مظلم#
#مدت يدها وأوقفت العربة#
#استقرت في أحد الكراسي#
تتسارع الأحداث تدخل البطلة في سيارة الاجرة ...
وتتحرك العربة ..
لكن البطلة ترجع الى خيالها ..
الى محطة زواجها
ثم الى وفجأة زوجها وضياعه
دون اي خير عن غيابه
وسنها التي وصلت الى الثلاثين
و ما إن تحركت العربة حتى سرحت بخيالها مسترجعة محطات من حياتها مع كل محطة من محطات الطريق الذي تسير عليه المركبة منذ ليلة زواجها إلى اليوم الذي غاب فيه زوجها بحثاً عن لقمة عيش ضن بها بلده، وها هي ذي السنوات قد بلغت الثلاثين دون خبر يفيد بحياته أو مماته .. !
#تقف المركبة مع كل محطة تنزل ذاك أو تلك#
#وهى مستغرقة في شريط حياتها الذي قطعه صياح الكمساري#
تستفيق البطلة من سباتها وتعود الى العربة التي تقلها إلى مكان عملتها
( النازل ميدان جاكسون)
Nous sommes arrivés à l'arrêt Rue Jackson Rue Jackson ..!!
#لملمت ذكراها مع عدتها#
#ونزلت متجهة إلى حيث تعمل في ظل شجرة نيم كبيرة#
شجرة التنين un arbre spécifique au Soudan
#أخرجت مستلزمات عمل الشاي#
#نفضت من (الكانون) رماد الأمس#
c'est une fille qui sert du thé dans la rue sous un pont et qui le prépare sur du charbon.. sous un grand arbre au milieu de la capitale du Soudan..
#ومن ثم وضعت حبات الفحم#
#وأشعلت النار ممسكة بالهبابة#
#تهب النار#
#وظلت تهب وتهب#
#إلى أن أصبح الجمر أحمر اللون#
#وضعت (الكافتيرا)#
#وبعد ثوانٍ فار الماء#
تبدع الكاتبة في وصف تحضير الشاي .. وطقوس تحضيره .. فتقدم لقرائها كل تقاليد حرفة صناعة المشروب المفضل للسودانيين وتحدث قراءها عن عادات بلدها للتعريف بها بطريقة جد خاصة .. هذه الصناعة السياحية لبلاد بحجم السودان تسحر الكثير من عشاق القصة العربية .. وتصنف الموروث الثقافي السوداني كمكسب تراثي عريق ..يجب الحفاظ عليه .. وهذه رسالة القصة الحقيقية .. التي تحملها القاصة البارعة ...في قصتها: #رماد امرأة#
#بدأ الزبائن يتوافدون أفراداً وجماعات لاحتساء الشاي
هذا يريده سادة، وآخر يريده كشري، وآخر بفضله ممزوجاً بحليب .. الناس أمزجة ورغبات#
تدخل الكاتبة في مجال جديد في قصتها في مجال الحديث عن المزاج السوداني المتنوع والغتي بالثقافة التاريخية فشاي الانجليز التعريف معروف لدى السودانيين كما هو معروف في لندن وكبريات العواصم العالمية...
Le thé au lait Anglais est aussi connu et bu au Soudan .. Khartoum est aussi une grande capitale mondiale .. une capitale aussi grande et ample que Londres.
#تعلمت زينب في ظل تلك الشجرة الكثير وتحملت الكثير، وباتت تعرف المزاجي والمستعجل والمتعالي والمعقد والسارق ..كل تلك الأنماط تعاملت معها#
تعود الكاتبة الى معاناة المرأة السودانية ومكابدتها للمتاعب اليومية من أجل لقمة العيش .. فتقدم لنا صورة حزينة وموجعة ليوميات نساء الشاي السوداني في ساحة جاكسون الشهيرة .. ساحة تمتزح فيها أمزجة سكان السودان وأذواقهم المختلفة ..
#انتهت فترة الصباح وفر الزبائن إلى أعمالهم،
نادت زينب زميلاتها ودعتْهُنَّ لتناول المتبقي من الحليب
جئنها كل واحدة منهن تحمل بنبرها وتحلّقنَ حول شجرة زينب كعصافير تشقشق عند الصباح معلنة ابتداء يوم جديد
تجاذبن أطراف الحديث، تحدثن عن غلاء الأسعار والمعيشة وغيرها من الموضوعات، ثم انصرفت كل واحدة إلى ظل شجرتها ..وآذنت الشمس بالمغيب معلنة انتهاء يوم .. #
تنتهي القصة بلقاء حول اكواب الحليب
وحديث عن غلاء المعيشة..
لتتركنا صاحبة قصة #رماد امرأة#
في عتمة المساء .. في محطة الشاي السوداني اللذيذ
قصة جميلة كحمال نساء السودان المقاتلات .. اللاتي رفضن الخنوع والخضوع للفقر والتسول والسؤال ..!!
صورة رائعة للتحدي والصبر والصمود النسوي في وجه آلة القمع الذكورية ..!!
تحية لهذه المبدعة السودانية الواعدة
وتحية لكل محطات قصتها المرتبة ترتيبا زمنيا بديعا
أذكر بابداعها في اختيار اسم ساحة جاكسون ودلالته الجميلة المدهشة .. كانت موفقة جدا في اختيار كل ازمنتها وابطالها وفضاءات قصتها ..
نتمنى لها التوفيق والنجاح في مسارها السردي الرائعة..!!

عن محرر المقال

aarb313@gmail.com

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مجلة دار العرب نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد االمقالات أول ً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

مجلة دار الـعـرب الثقافية

مجلة عراقية . ثقافية . أدبية

احصاءات المجلة

جميع الحقوق محفوظة لمجلة دار العرب الثقافية - تطوير مؤسسة إربد للخدمات التقنية 00962788311431

مجلة دار الـعـرب الثقافية