الكاتب ليس مصلحا اجتماعيا ولا واعظا دينيا، الكاتب مبدع ومبدع فقط
قصة من صلب الواقع المعاش، ومن الخطأ أن نكون نعاما وندفن رؤوسنا في الرمال، وننكرها تحت اي ذريعة كانت..دينية أو أجتماعية.
الكاتب ليس مصلحا اجتماعيا ولا واعظا دينيا، الكاتب مبدع ومبدع فقط، والمدارس النقدية كثيرة منها القديم كالموضوعية والدينية والتاريخبة والاجتماعية، وكلها مدارس انتهت منذ أكثر من مائة سنة، وحل محلها المدارس النقدية الحديثة كالبنيوية والتفكيكية والتحليلية، وتطور الأمر إلى ما هو أبعد من الحداثة ( ما بعد الحداثة)، متواكبا مع تطور الفن ذاته بجميع فروعه السردية والفنية كالرسم والنحت وغيرهما.
أقول هذا كمقدمة هامة لتناول هذا النص الجميل، فالقارئ يمكنه ببساطة تقبل الفكرة أو رفضها، ولا تثريب عليه أيا كان رأيه فهو رأيه حصريا، أما الناقد فهذا شأن آخر..الناقد له أدواته وله معايير تحكمه، ليس من بينها ذائقته، لذا لا يجوز له رفض الفكرة، وأنما التعامل معها على أنها منتج أبداعي أدبي، فالفكرة بالنسبة للناقد هى حق خاص بالمبدع، لا ينازعه فيه أحد.
نحن أمام نص يحكي عن مأساة اجتماعية عصرية بكل المقاييس، بعيدا عن حب فاشل مضى ليقبع في سراديب الذاكرة، وكلنا مررنا تقريبا بحب فاشل، ولا زلنا نتذكره إذا اقتضت ضرورة ما لتذكره، وهو حرفيا ما حدث للسيدة بطلة النص..مأساتها ليست في حب فاشل لا يزال يقبع في داخلها، فكلنا هذه المرأة من هذه الزاوية، أما مأساتها الحقيقة فهى برودة زوج يطالع الجريدة ويتابع التلفاز، ويتصفح منتديات التواصل الاجتماعي، دون أدنى اكتراث ببيت وأسرة وزوجة..أليس هذا حال الكثير الكثير من ازواج هذا العصر المتفكك المنعزل الموحش..هذه هى المأساة وهذا هو لب النص، وليس حبها الفاشل لأي سبب كان وما أكثرها الاسباب، ومنها بالطبع اختلاف الديانة، وهو ما استندت عليه الكاتبة مسوغا لفشل العلاقة، فلا الحبيب غدر بها، ولا هى تخلت عنه، وإنما هو قدرهما الفراق( استحالة الاستمرار) كما كان قدرهما أن يتحابا، فهل لنا اختيار من نحب؟!
نص صيغ بحرفية ومهارة وشرود..نعم شردت الكاتبة لشدة انغماسها في روحانية القصة، فتقمصت الشخصية وتقمصتها الشخصية، فلا ندري من منهما بطلة القصة ومن مبدعها او مبدعتها، وأفلت منها زمام السرد فمزجت الحوار الثنائي مع الحديث النفسي في اشارة سيميائية بالغة الدلالة على عظم المأساة ( شرود)، ومن ثم تلقي بقنبلتها لتتفجر في وجوهنا ( حتى السرحان نستكثره عليها) فأي ظلم هذا؟ ..أيها الأنسان!!!
محمد البنا ١سبتمبر٢٠٢١
شرود
قصة قصيرة
صديقة علي
كعادته، يستدعيني من المطبخ؛كي أجيب على هاتف يرنّ بإلحاح،
أجفّف يديَّ، وأنا أرمقه بلوم، حتى أنّه لا يرفع نظرُه إليّ، غارقًا في جريدته، يرشف قهوته الباردة بهدوء مستفز.
_آلو ..آلو
ـ نعم
ـ آسف سيدتي ..أنا والد جورج، آسف للاتصال في هذا الوقت المبكر ..
تدفقتِ الدماءُ في وجهي، يتسارع نبضي،غمامة تشوِّش نظري، جفافٌ يُعيقُ كلماتي.
ـ سيدتي! سيدتي! أردت فقط الاطمئنان على ولدي إن كان في ضيافتكم... منذ البارحةِ وأنا أبحثُ عن رقمكم.
ـ نعم سيدي هو نائمٌ مع ابني أحمد.
..سيدي! لا أدري إن كنتُ قد قلتُ هذا أم لا!
كان ابني مرتبكًا وهو يشرحُ لي أنّ صديقه سيبيتُ عنده:
ـ ليلة فقط.. ليلة فقط يا أمّي فهو مطرود من بيته، والده شديد الغضب والقسوة.
الفضول دفعني لانتظاره، ولمّا دخلتُ عليهما، عقدتِ الدهشةُ لساني، شعَرتُ أنّ قدميَّ ماعادتا قادرتين على حملي، اِتَّكأتُ على الباب القلق.
ـ أمّي هذا صديقي جورج..أعرّفُكَ ماما ..
ـ ابنُ من أنت يا بني ؟
لا تُجِب، فأنا عرفْتُك بشعرِك الأسودِ اللامعِ المُسرَّحِ إلى الوراء، بجبهتِك العاليةِ، بسوادِ عينيكَ بشفتيكَ النبيذيَّتينِ، بسُمرتِكَ الآسرة، نعم تذكَّرْتُكَ. بحاجبيكَ المعقوديْنِ
ياعاقِدَ الحاجبينِ على الجبينِ اللجينِ إنْ كُنتَ تنوي قتلِي قتلتني مرّتين
وتضحكُ، نعم كُنْتَ تضحكُ كلما غنّيت لك.
أمّي، أين شردْتِ! صديقي يكلِّمُكِ
ـ أها ...نعم... نعم أنا معكُما .. متى عُدتم من الغربة ؟
ـ عُدنا!
- نعم أمّي عادوا منذ سنتين مع دخولِنا الجامعة، لكن كيف عرفْتِ؟ لم أكلّمْكِ عن هذا من قبل؟
ـ كيف عَرَفتُ؟!
ـ تسافر!
- ومايبقيني في بلد يجرّمُ عشقي؟
ـوأنا!
ـ أنتِ ستبقين آلهة العشق قيثارة ليلي.. نبضي الذي أحيا به، لا تبكي، هذه هي أقدارُنا الظالمة.
ـوأنا !
ـ ستنسين.
أمّي، كعادتك دائمة الشرود، صديقي لا يحب البطاطا المقلية، أرجو أن تُحَضِّري لنا العشاء بدونها.
ـ هل يوجدُ شابٌّ لا يحبُّ البطاطا المقلية؟ يُقال أنّها ترفعُ هرمون السعادة.
ـ أنا لا أحبها، أُحِبُّك أنتِ... سعادتي أنت.
ـ أمّي... أمّي ...
توقظِني يده وهو يربّتُ على كتفي .
حتّى سعادتي بالسرحان يستكثرونها عليّ.
أغادر غرفتَه تسابقني دموعي .