#قراءة_انطباعية بعنوان :
"بين عزف قانون.. وقانون فوق الجميع..،
تاهت المعاني وأرعدت..، فويل لمن يفكّ شفرة المعاني.."
#قصة ”القانون فوق الجميع “ لكاتبها, الأستاذ ربيع دهام
صفحة "#واحة_القصّة_القصيرة"
ه__ -_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-__ه
بين ألغام المعاني يركن قانون الطٌبيعة،
وقانون الكون الفسيح قد يتّسع للجميع كما قد يضيق لشرذمة بسيطة أنصتت لمعزوفات فُصّلت نوتاتها وفق سلّم نشاز ورعود وزلازل قاصفة مبهمة تنهال من حيث ندري و من حيث لا ندري .. فويل لمن يفكّ شفرة المعاني..
و بين انسلاخ المعاني عن كنهها، يتوارى متسكّعو الوطن حاملين حقائب خيباتهم حينا وحينا آخر تسقط الأقنعة وتسقط معها الآذان من الجماجم ليبقى كلّ متسكّع جثّة متحرّكة تسدّ فراغات الوطن بينما فراغات أخرى ترتقها شباك قانون مسنّن كالرّمح قد يرعد وتزلزل الأرض على عنق من يقع تحت طائلته قبل أن تخترقه سيمفونيّة تعزفها أصابع هنالك بالأعالي، فوق تصوّر وإدراك المواطن البسيط العادي..
وناقوس الخطر ينذر بوجوب الحذر وعدم التٌوغٌل بين فيافي الإدراك والفهم، في حين عدم إعمال العقل فإنّه مطلوب في كلّ آن وفي كلّ حين..
كلّنا طلّاب داخل أوطاننا وتشابهت الأوطان العربيّة في غربتها الكونيّة كما تشابهت الحاجة والفاقة إلى لقمة عيش تنشدها أو كرامة تلقف بها ما تبقّى من كيان الإنسان العربي حتّى يحدّد موقعه من الكون. فهذا طالب علم لا يكاد يسيطر على المعاني وفهم الدّلالات المتوالدة في التٌشابه وفي التّنافر على حدّ سواء حتّى تتوه عنه وتتشرذم مدلولاتها ويتوه بالتّالي معها داخل طلاسم حبال قانون تلفّه أحيانا داخل خزعبلاتها وأحيانا أخرى تلقيه بين شباكها .. وبين عزف قانون يقرع داخل جمجمة الطّالب وعزوف عن الإدراك وعن تجلّي المعاني، يأخذنا الطّالب نفسه ببلاهة باهتة في جولة، او لنقل، إنّها رحلة انطلقت أطوارها من داخل بيته وسكنه ليصل بنا مرورا بالشّارع والتّاكسي ليحطّ عند صرح الجامعة أو المدرسة حيث تستمرّ الرّحلة العجيبة بين تلك الرّبوع ويتفاقم التّشرذم حدّٓ الخبل.. أسلوب اعتمده الكاتب حيث مزج بين السّخرية وبين عجائبيّة الأحداث.. إذ تشابهت الرّحلة أو هي ارتسمت بغربة وغرابة استشعرها الطّالب مذ كان بمقرّ سكنه؛ فنلاحظ دوار برأسه، عدم تركيز في ضبط محتويات الغرفة، ذاكرة معطوبة أدّت إلى فقدان الإدراك والنٌسيان المتوالي لأبسط مقوّمات أدوات عيشه ومستلزماته اليوميّة.. ممّا أدّى إلى دورانه حول نفس الأسئلة الباهتة .. ذاكرة معطوبة كما سبق وأشرنا، غير سويّة، وكأنّ الطّالب هو حالة مشابهة ومتكرّة لأفراد المجتمع؛ عدم اتّزان وعدم استقرار يبدأ من الوسط العائلي لينتهي عند مقاعد الدّراسة التي هي من المفروض المكان المشرق الذي عبره تستنير العقول وتتفتّح الرّؤى بالذّهن ويتطوّر الإدراك وينمو..
لكن الكاتب تعمّد خلق بعثرة لدى الطّالب الذي سبق وتتبّعناه برحلته الموغلة في الضّياع.....
ويندرج النّص ضمن خانة الأدب السّاخر لكن بأسلوب مغاير، فهو طورا يطرح مدلولات هي لبّ ما يحتاجه الفرد بأيّ وطن من هذه الأوطان المتشابهة، سواء كان ذلك بالبيت او بالشّارع او بالصّرح المدرسي.. فيعرض الكاتب، على لسان السّارد، مجموعة من المفاهيم وبطريقة ساخرة؛ هي مفاتيح وأدوات للعيش الكريم، وللعيش الإنسانيّ؛ قانون – تعايش – واجبات – حقوق - طائفيٌة - ديني - حرية ... أظهر خلالها الكاتب عجزا كليّا عن فهم معانيها ودلالاتها، وكيف لمن يفتقدها أن يعي معانيها؟ فالقانون لدى هذا الطّالب مجرّد آلة عزف وحتّى اللّحن المنبثق عبرها ليس سوى نشاز مماثل للنّشاز المبعثر داخل رأسه، امّا التّعايش والتّعايش السّلمي وكرامة العيش وحقّ التعايش ضمن الإختلاف أو قبول الغير، ذاك المختلف عنّا وعن المجموعة، فحدّث ولا حرج إذ هي كلّها رموز تتطاير دون قيد يمسكها أو رادع يقنّنها، فكيف لعقله المسكون بالهواجس العربيّة والمشحون بالطّائفيّة ان يستوعب نقيض مدلولاتها؟ فهي، بحسب إدراكه البسيط، رموز تتطاير ولا يمكن المسك بها، حالها كحال ذاك القانون المعلّق فوق الجميع، فلا هو سقط ليتحطّم فيظلّ مجرّد اسطورة مسحوقة، ولا هو أشرق كما تشرق الغيوم العالية بفعل الشّمس الماكثة خلفها تمدّها بالضّوء، .. وظلّ القانون معلّقا برأس الطّالب لا يستوعب مطلقا كيف يمكن لتلك الأصابع أن تنقر على أزراره لتنبعث منه الأنغام السّاحرة، فـ"القانون فوق الجميع" ، عبارة لم يستوعبها الطّالب، رغم تكراره للعبارة حتى ترسخ بذهنه استعدادا للفروض والإمتحانات.. بل ظلّت معلّقة بخانة عليا داخل مدارك العقل، مبهمة تشعّ، غامضة كغموض الصّحون الطّائرة القادمة من عوالم أكثر غموضا، وظلّت بتلك الخانة من العقل، تومض كبرق خاطف، أو كحلم عربيّ بعيد المنال..
لكن بأطوار أخرى وفي ممرّات عديدة أثناء هذه الرّحلة العجائبيّة التي اخذنا عبرها الكاتب، نلاحظ،.......
لكن بأطوار أخرى وفي ممرّات عديدة أثناء هذه الرّحلة العجائبيّة التي اخذنا عبرها الكاتب، نلاحظ، رغم الأسلوب البسيط المعتمد في الطّرح للمفاهيم، نلاحظ كمّ الوجع والأسى لحال هذا الطّالب، أو هذا الفرد من المجتمع، أو لنقل بصريح العبارة، هذا المواطن الشّاذ عن السّياق المعتاد، هذا المواطن الموغل في الضّياع، وكأنّ العالم يسير باُتّجاه بينما هو ينحو باُتّجاه مخالف، اتّجاه معاكس. فهو لا يخلط بين المفاهيم، إطلاقا، بل هو لا يعي أصلا تلك المدلولات الأولى للعبارات، المدلولات الأساسيّة والمعاني الأصليّة للمفردات.. فتلفّه الحيرة بين شباكها ويقع طعما سهلا لخزعبلات العالم. فلا هو يعي ما يتعلّمه ولا المعاني أتته طيّعة.
وتتوالد سلسلة من الدلالات، وكلّ عبارة يتفاقم العجز عن فهمها برأس الطّالب الذي ينتقل، أثناء تساؤلاته، من مفهوم إلى مفهوم ليظهر لنا تقوقعه بنفس المكان، كأنّه لم يبرح موقعه من الحيرة الّتي وقع بها.. حيرة استنسخت حيرات متعدّدة، عديدة،.. أحدثت لخبطة عميقة في عدم الفهم..
لكن لنعد إلى البدايات، وبداية النٌص افتتحه الكاتب برسم البطل أو الطّالب وهو يبحث عن أشيائه الخاصّة واليوميّة؛ بدءا بالحقيبة، تلك الحقيبة التي تحمل معلوماته ومستوى ما حصّله من علوم ومعارف وإدراك للأشياء وللحياة.. كلّها تندرج تحت خانة ضيّقة معتمة، النٌسيان والضٌياع. بالكاد يقبض على الحقيبة حتى يتوه عنه الهاتف، والهاتف هنا ورد كإحدى الضروريّات بالحياة اليوميّة، هل لأنّه هاتف على وزن فاعل، يهتف له باستمرار في سرّه وفي علنه ليذكّره أو لينبّهه عن معنى وجوده وموقعه؟ أم لأنّه ذاك الشيء الملتصق بجسده لا يغادره حتى صار تابعا له أو ربٌما هو نفسه التٌابع لذاك الشيء؟ وهاتف قد يلج السّمع والإدراك ليحدّثنا عن ذواتنا وكنه ذواتنا. هاتف يهتف بآذاننا عن أشياء مبهمة قد تجعلنا نستفيق من غفوة أو من سبات.. ثم "يستلّ" الهاتف ؛ عبارة استعملها الكاتب زادت غرابة الموقف، فكأنّ البطل "يستلّ" سيفا، أو خنجرا من غمده.. فهل "الهاتف" إيحاء مبطّن لمدلول آخر، مدلول يشي عن "الدّال" ومعناه الذي قد يكون تعمّد الكاتب حشره بين أشياء البطل؟ هل تراه يحمل سلاحا لا يدرك حتى منبعه ومورده؟ سلاح ذو حدّين؛ يهتف على حين غفلة من الإدراك الإنساني، ويحدث شرخا متوقّعا بما انّه صار يحمل، بحكم اللّفظ المستعمل بفعل "الإستلال"، معنى مغايرا وكنها آخر لدوره المحتمل القيام به كـ"هاتف جوال".. وأمام زحمة المعاني، ازدحمت الأفكار برأسه، فخرج لا يلوي على شيء سوى الخروج للمرور إلى مرحلة موالية من جولته التي ستأخذنا هذه المرّة نحو مرحلة أكثر عمقا في الغرابة والتشرذم، فبطلنا مقدم على "امتحان" في الوطنيّة.. سيكبر طالبنا ليصير مواطنا داخل وطن يزخر بأمثاله من المواطنين الّذين يملؤون فراغات الوطن، بينما بعضهم الآخر لا يزال يضع نقاطا عشوائية فوق حواف المعاني، فتتوالد معان مغايرة وتحيد معان عن السٌطر..، ولا يبقى على خطٌ الرٌسم للكلمات سوى أميال من الإدراك وشوط بعيد لمواكبة السٌير، فلا يلتحق القارئ بالرٌكب ولا يسيطر على مداركه حتٌى يجد نفسه قد مال عن السٌطر وحادت خطاه عن الطٌريق السٌويٌ، فينبري يغرٌد خارج السٌرب المعقول لينظمّ داخل خانة الهبل والتٌبلٌد الذٌهني.. ثمٌ يمضي متسكٌعا على خارطة الوطن...
يتسكّع على خارطة الوطن كهباءات متطايرة، متشرّدة دون فهم لأدوارها داخل زواياه ومنحنياته.. لتقفز فكرة غريبة برأسه لمّا جال تفكيره حذو الواجب الوطني، وواجب الرّياضيّات الذي أخذه عند حضن السٌيدة "جونبون" أو "مسز جونبون" كما يسمٌيها. حضنها الذي يجعله يشعر بـ"الأسر" وبـ"الضعف" حيالها..، أوليست هي من تدعه كـ"الأسير على الحائط" بسبب "الواجب"؟
وعند "الأسر" استدعى الكاتب مباشرة عبارتي؛ "البندقيّة' و'النّار".. إذن فنحن متواجدون داخل حقل ألغام، رسمه الكاتب بحذق، ودعانا سرّا لولوجه، متخفّيا تحت زيّ "طالب" ليراوغ عدوّا ما يتربّص به.. وتتبّعنا مساره وقد خلناه أخبلٓ غارقا في البساطة والضّياع وعدم الإدراك.. و... و....، لكنّه بذكاء زرع بطريقنا إشارات وعبارات لمن يودّ السٌير دون تعثّر..،
فأتساءل بدوري؛ هل تراه كان يحمل تلك "الحقيبة" التي تحزم أفكاره المعطوبة وذاكرته المثقوبة؟ أم أنّه حمل "متاعه وإدراكه" نحو مسرح مخادع، سلاحه فيه السٌخرية ومداراة الحقائق حتى لا يُمسَك بجرمه لو هو تطاول على "القانون" أو تجرّأ أن يقدح في "الحقوق" الضائعة والمنتهكة؟
لذا، صار لابدّ من توخّي الحذر والتٌستٌر تحت طائلة "الخبل". وصار بالتّالي لابدّ أن نتعامل مع النٌص وكاتب النٌص من زوايا أخرى، جديدة ومغايرة..؛ زوايا تبدأ بالتٌلاعب بالمفاهيم تماما كما يُـتلاعب بالقانون، ففي النٌهاية، كلٌ عازف هو بصدد اللٌعب على آلته الخاصٌة..، وبين "اللّعب" و"التٌلاعب" مساحة ضيّقة يمكننا الولوج عبرها لمساعدة الكاتب على إعداد مسرحه العجائبي، ومن ثمّة نمرّ إلى زوايا أكثر تعقيدا، منها تشفير المدلولات لرسم الكلمات، فالكاتب برع في رسم المفردات، شرع في ترصيفها حسب الحقول التي تنتمي إليها، وما علينا كقرّاء، سوى تتبٌع طريقة ترصيفها لفكّ رموزها..،
فمثلا، كان يتساءل وهو بحقل الألعاب الرياضيّة، عن سبب التٌفرقة، فاُستعرض جملة من العبارات...........
كان يتساءل وهو بحقل الألعاب الرياضيّة، عن سبب التٌفرقة، فاُستعرض جملة من العبارات قبل أن يعرض "مفاهيمها" و"مدلولاتها"، من ذلك؛ "كرة السّلّة"، "كرة القدم"، وما تحيلنا إليه عبارة "السّلّة" من قذارة وعفن بينما تحظى عبارة "القدم" بمنزلة مرموقة، عالية، خرافيّة.. رغم أنّ العبارتين متّصلتان بنفس اللّفظ، "الكرة"، كرة السلّة و كرة القدم، فكيف لواحدة أن تُرفع عاليا في حين تُخفض الثانية إلى أدنى مستوى؟ وعند هذا الحيّز، لم يغفل الكاتب عن إرفاق مفهومي "الإحتقار" ، "التٌمييز العنصري" و"التّفرقة"...
فهل تراه محقّا حين "نفى" أحقّيّة التٌعايش بهذه الأوطان الغير محبوبة والمغلوبة على أمرها ؟ هل تراه محقّا حين عرض مسألة التٌعايش المفقود على غرار ما تتغنّى به "فيروز"، فيتمايل على وقع أنغامها سكارى الوطن وسكارى الحقوق والمحرومين من الحريٌة الذين امتطوا الألحان جدرانا يخفون بين شقوقها خيباتهم ومرارة حرمانهم..
هو الصٌراع المعاش داخل ثغرات الوطن، في إحدى فلتات الزٌمن التي طالت، تماما كما طالت حيرة هذا الطٌالب الذي يحفظ عن ظهر قلب ما لا يستقرّ بقلب عاقل...
فتتضارب المفاهيم وتتصارع المعاني والمشاهد برأسه، فلا هو يعي المعنى والمدلول الحقيقيٌين للمفاهيم، ولا الصٌور برأسه ارتسمت منسجمة،، فكانت المشاهد نشازا فوق نشاز في بحر من الظلمات،،،
و في لجّ الظلمات نواصل المضيّ، برفقة الطالب، متتبٌـعين رسوماته الكارتونيٌة، بإملاء من الكاتب الذي لا يتجاوز حقلا حتٌى يلج حقلا آخر لا يقلّ خطورة عن سابقه، فالألغام مزروعة بكثافة والخطر لا يزال محدّقا وواجب الحذر صار بيّنا .. فهذا "رمح مسنّن" يخترق الفضاء المتاح، الفضاء العلمي، حيث الطلاب هنالك متواجدون لغايات نبيلة، ألا وهي المعرفة وزيادة التٌعلٌم..،
لكن حدّة الرٌمح اخترقت مدلولات اخرى، مدلولات زادت الطّين بلّة أو هي زادت عمق الغربة داخل نفس الوطن، وكاتبنا كالعادة، على لسان "الطّالب" الغبيٌ(ظاهريا) وعديم الإدراك يطأ حقلا من المفاهيم المتداولة البسيطة ومع ذلك يتلخبط إدراكه فلا يعد يدري، اهو اليمين المتطرّف أم اليسار المتهوّر، عفوا، بل السؤال، أهي العين اليمنى ام العين اليسرى التي استقبلت الطٌعنة من الرٌمح المسنّن؟ والأدهى أنّه بموجب تلك الطٌعنة تفرّعت عين أخرى لتصير النّاظرة بثلاث عيون.. فهل تراها ميزة أم إعاقة حلّت بها؟ لكن بكلّ الأحوال فيبدو ان المتضرّرين هم الطٌلٌاب وليست النّاظرة، فقد اتٌسع مجال "النٌظر" لدى "النٌاظرة" وصارت لها عيون أكثر عددا للمراقبة..
فهل نحن بصرح لطلب العلوم أم ترانا لازلنا نخبط خبط عشواء بحقل مزروع متفجٌرات ومسكون بعيون تراقب ليلا نهارا؟ وهل الطٌالب داخله، يحمل حقيبته بيده وزاده برأسه؟ أم أنه يحمل ذاته داخل حصار حقيبة ضيّقة في حين يحمل برأسه مخاوفه وهمومه من أيّ انزلاق مفاجئ للمعاني،
فانتحى الطٌالب اسلوب انزلاق المعاني ليراوغ أثناء تجواله بين تشقٌقات الوطن ومطبّات الضٌياع وانسلاخ الهويّة؟
وبين انزلاق المعاني، يربض وطن مهتزّ، وكنا معطوب المشاعر والإدراك .. والويل لمن يتجرّأ على إهانة ذلك الوطن علنا.. والويل كل الويل لو زلزل زمٌور الخطر..، فرعد وبركان كما أبدع الكاتب في رسم مشهد النٌهاية حين قال: "تتساقط آذاننا من جماجمنا... تنهي مسز جونبون سيمفونيّة رعدها... وبعد هدوء العاصفة تعلن مسز جونبون عن وقوع أستاذ التربية بشباك القانون" ........
... وبعد هدوء العاصفة تعلن مسز جونبون عن وقوع أستاذ التربية بشباك القانون" ..
وتفرّ كلّ ذات حمل عن حملها .. ويعود بطلنا إلى خبله بأكثر همّة في التّغابي، فينقل حرفيّا ما كانت مسز جونبون بصدد كتابته وتلقينه، متسائلا أو بالأحرى متخيّلا مشهد أستاذ التربية وهو يتحرّك فوق رؤوس العازفين على ذاك القانون المعلق بالأعلى كشمس لا يمكن بلوغها .. لكن السؤال الأجدر طرحه هنا، إذ في أتعس صور المأساة التي يتعرّض لها أستاذ التربية، وكما هو واضح انه ممنوع من مزاولة نشاطه بسبب ثغرة ما بالقانون وقع بها، بل بشباك قانون، فالواضح أنّ المأساة معقّدة طالما الشٌباك وردت جمعا فالوقوع داخلها سيكون موغلا في الأذى وبالتٌالي فإنّ أمل النٌفاذ من شراكها تفاقم، وبالرغم من رداءة ما وقع به الأستاذ فقد سكنت العاصفة وعمّ الهدوء وانبرى الطالب كما باقي الطلاٌب ينسجون خلف مسز جونبون، يعيدون ما انبرت تلقّنهم إيّاه، كمن يتّبع خطوات سيّده دون تبرّم أو رفض أو حتى معاتبة لما حصل أو مناصرة له وقد وقع للتٌوٌ في براثن معقّدة منعته من التٌواصل مجدّدا مع طلّابه كما منعتهم من ملاقاته أو الإستفسار عمّا حصل .. رغم ان الطالب تفاجأ في البداية حين اقتحمت "جونبون" القاعة مستولية على حصّة الأستاذ، إذن هي حصص موزّعة وحصص يستولي عليها الآخر بينما يحرم من حصّته من يُغيّب فجأة امام صمت بني جنسه، وبني وطنه، .. فالسؤال؛ كيف ابتلع الحاضرون مهانة أستاذهم وعادوا للدٌرس متتبٌعين خطوات الـ"مسز" وكأنٌ أمرا لم يحدث..!
ويبدو أنّ الطّالب قد توخّى أسلوب التٌغابي والإنغماس في خيالاته المشطّة لتصوّر المشاهد العجائبية مثل حركة الأستاذ وتنقّله فوق رؤوس العازفين، هروبا من واقعه المرير ومن إدراكه الذي قد يجلب له المتاعب، فاختار العيش بأمان داخل ربوع الجهل..
تلك إذن كانت جولتنا..،
وتلك كانت حقول الألغام على خارطات الأوطان موزّعة، وإشارات ومفاهيم تملأ الحقائب ولا يفقهها سوى من بالجهل تسربل فكره وتعطّبت ذاكرته حتى لا تتفجّر بقايا الإنسان فيه..، ويستمرّ بالتّالي النٌوع الإنسانيٌ الضٌعيف، المنبوذ، الموغل في المهانة والإذلال..، الإنسان العربيٌ..،
فرفقا بهذا الكائن الماضي نحو الإنقراض،
فقد لا تجد مسز جونبون وغيرها وأمثالها دورا لتقوم به ولتكمل دورتها بالحياة، في ظلّ تعايش سليم بين ربوع هذا الكون الشّاسع، المترامي الأطراف بعيونها الكثيرة المتكاثرة، لكنّه، هذا الكون نفسه، فقد ضاق، رغم فساحته، واشتدّ ضيقه حتى لم يعد يتّسع لبعض الطّلّاب.. طالبي العلوم والحقوق والكرامة والحريّة...
فليحذروا وهم يطأون صرح العلم ويطلبون التدرّج في العلوم والمعرفة أن تدوس نعالهم شفرات ممنوع فكّها.
باسمة الحاج يحيى