اصْطِفَاءٌ
شعر: أحمد جنيدو
أَتْلُو بِعِيْنِيْكِ الوُجُوْدَ،
كَأَنَّنِي حُلْمٌ يُدَاعِبُ آفِلاً،
حُلمٌ يُعَانِقُنَا،
طُفُوْلَتُنَا تُلُوِّنُ مِنْ مَقَاطِعِهِ الحَيَاةَ،
وَغَرَّدَتْ أَجْزَاؤُهُ فِي لَمْحَةٍ،
وَتَوَالَدَ الحُبُّ العَظِيْمُ مِنَ الضِّيَاءْ.
أَتْلُوْ بِعِيْنِيْكِ الغَدَ المَجْهُوْلَ،
أَرْسِمُ ضِحْكَتِي فَصْلاً،
يُعِيْدُ مَرَاسِمَ البُوْحِ الجمِيْلَةَ فِي فَمِ الأَطْيَارِ،
أَوْ يَسْتَرْجِعُ النَّسَمَاتِ مِنْ عِنْفِ الهَوَاءْ.
أَتْلُو بِعِيْنِيْكِ الأَمَانِي، وَالحِكَايَاتِ القَدِيْمَةَ،
مُوْقِدَ الخُبْزِ، الحَصَادَ،
وَثُوْرَةَ الأَرْضِ الأَلِيْمَةَ، رَقْصَةَ الأَوْلَادِ، أَشْجَانَ الغِنَاءْ.
يَا صَرْخَةَ الذِّكْرَى أَفِيْقِي،
هَذِهِ الأَنْوَارُ مِنْ عِيْنِيَّ تَذْوِي،
لَا يُجَلِّدُنِي الحَنِيْنُ،
سَيَعْبِرُ الوُقْتُ اقْتِلَاعِي، يَذْهَبُ التَّارِيْخُ،
يَكْتِبُ مِنْ شِفَاهِ الحُسْنِ أَسْطِرَهُ الأَصِيْلَةَ،
أَقْرَأُ التَّارِيْخَ مِنْ عِيْنِيْكِ، وَالآتِي غَبَاءْ.
أَتْلُو مَرَاجِعَ قِصَّتِي،
أَنْتِ البِدَايَةُ وَالفُصُوْلُ، وَمَسْرَحُ الأَحْلَامِ،
وَاللُعَبُ الصَّغِيْرَةُ، وَالحَمَاقَاتُ الكَثِيْرَةُ،
صُوْرَةُ التَّعْرِيْفِ،
تَكْوِيْنُ الشُّجُوْنِ، تَأَمُّلَاتٌ فِي سَمَاءْ.
طِيْرٌ يُعَانِدُهُ الفِرَاقِ،
يًزِيْدُ سِلْسِلَةَ التَّرَابُطُ وَالإِخَاءْ.
أَتْلُو بِعِيْنِيْكِ الحَقِيْقَةَ، إِنَّنِي وَطَنٌ كَبِيْرٌ،
يَحْفَظُ الأَشْعَارَ فِي وَحْيٍ،
وَيُرْجِعُ طَلَّةً سِيْفاً تَدَمَّى طَالِباً حَقَّ البَقَاءْ.
أَتْلُوْ بِعِيْنِيْكِ الفُرُوْضَ،
وَلَحْظَةَ الإِبْدَاعِ فِي صُوَرٍ تُحَاصِرُنِي،
فَأَرْفِضُ مَقْتَلِي فِي عِيْدِكِ المَسْفُوْحِ،
أَنْبِشُ خَافِقِي بِيَدِيْكِ، شَمْسَ تَوَاجُدِي،
يَا شَمْسَ عُمْرِي، هَذِهِ اللَحَظَاتُ سَارِقَتِي،
وَسَارِقُهَا دَمٌ عَاثَ اكْتِفَاءْ.
لَنْ أَرْحَلَ الآنَ اعْتِرَاضاً،
كُلُّ ثَانِيَةٍ عَلَى الأَحْبَابِ فِي البُعْدِ احْتِضَارٌ،
لَا تَغِيْبِي عَنْ عُيُوْنِي،
أَرْسِمُ الأَيَّامَ فِي شَفَتِيْكِ عِطْراً،
حُلْمُهُ المُنْسَابُ فُوْقَ يَدِي خَيَارَاتُ القَضَاءْ.
أَتْلُوْ بِعِيْنِيْكِ الأَغَانِي،
وَالنَّوَايَا ذِكْرَيَاتِ البَدْءِ أَوْرَاقُ الثَّنَاءْ.
مَرْثِيَّةُ الأَفْكَارِ حَنَّتْ فِي زَمَانِ العُهْرِ
وَالكِفْرِ الجلِيْلِ، أُنَاشِدُ الأَمْوَاتَ،
يَعْتَصِمُوْنَ فِي بَابِ الخِيَانَةِ جُلَّةً،
قَبَساً مِنَ المَاضِي الجَلَاءْ.
كُلُّ الأَحِبَّةِ فِي زُحَافٍ (دَاشِرٍ)،
خَلْطُ التَّزَانِي وَالهَوَانِ،
تَصَافَحُوْا فُوْقَ النَّتِيْجَةِ طِفْلَةً، وَاللِيْلُ أَعْطَاهَا الغِطَاءْ.
لِيْسَتْ خَوَاتِمَنَا، وَلَسْتِ الضُّوْءَ وَالطُّوْفَانَ،
آخِرُ لَفْظَةٍ فِي المُوْتِ تَلْفِظُنِي،
وَخِيْرُ الأَمْرِ طُوَّافُ الهَبَاءْ.
أَمْشِي(هَشِيْلَ الهَبْشِ فِي كَبْشِ التَّنَاوِشِ،)
وَالرَّزِيْنُ عَلَى الكُؤُوْسِ يُعَالِجُ الأَوْضَاعَ،
لَا زِيْتاً وَلَا قَطَرَاتِ مَاءْ.
أَتْلُوْ بِعِيْنِيْكِ الخَوَاطِرَ كُلَّهَا،
وَأُحِبُّ مُوْتِي عَاشِقاً ذَاكَ البَهَاءْ.
أَتْلُوْ بِعِيْنِيْكِ المَزَايَا وَالصِّفَاتِ،
فَيُشْبِعُ النَّفْسَ الحَزِيْنَةَ كِبْرِيَاءْ.
أَنْتِ التِي زَرَعَتْ حَيَاتِي فَرْحَةً،
أَنْتِ التِي رَقَصَتْ بِعَزْفِ المَاءِ وَالإِيْقَاعِ،
فِي مَطَرِ الْتِصَاقِ الرُّوْحِ لِلأَبْدَانِ،
وَالمَزْجُ اصْطِفَاءْ.
أَتْلُوْ بِعِيْنِيْكِ التَّسَامُحَ مِنْ شُرُوْقِ العُمْرِ،
حِيْنَ يُغَادِرُ العُصْفُوْرُ أَوْطَانَ الشِّتَاءْ.
فَرِحاً بِوَصْلِ القَطْعِ فِي الأَحْشَاءِ،
أَوْ تَرْمِيْمِ أَلْوَانِ الغَبَاءْ.
يَا ذِكْرَيَاتِي فِي سُطُوْرِ العَجْزِ بَارِقَةٌ،
تَلُوْكُ الجرْحَ، ذَاكَ الدَّاءُ يَعْرِفُنِي قَدِيْماً،
يَعْتَرِيْنِي كَالدَّوَاءْ.
أَتْلُوْ بِعِيْنِيْكِ المَلَامِحَ وَالوُجُوْهَ،
وَصَرْخَةً عَبَرَتْ تَمَنٍّ،
وَالتَّعَابِيْرَ المُفَسِّرَةَ الوَلَاءْ.
وَأَنَا عَلَى شُرُفَاتِهَا زَرْعٌ، يَمْيْلُ مَعَ الهَوَاءْ.
وَيَلِي التَّضَارُبَ وَالتَّصَادُمَ وَالتَّقَاذُفَ
وَالتَّمَازُجَ فِي الخَلَاءْ.
وَأَرَى الفُؤَادَ مَدِيْنَةً، وَالحُبَّ أَطْيَافَ الفَضَاءْ.
أَتْلُوْ بِعِيْنِيْكِ الرَّحِيْلَ إِلَى بِلَادِ العِشْقِ،
أَفْوَاجُ السُّنُوْنُوْ رَفْرَفَتْ وَهْمَ اكْتِفَاءْ.
صُوُراً أَرَاهَا كَامْتِزَاجِ الحِسْنِ
فِي النَّفْسِ الأَثِيْمَةِ،
وَامْتَزَاجَ الرُّوْحِ فِي دَفْقِ الدِّمَاءْ.
أَتْلُوْ بِعِيْنِيْكِ الخُلُوْدَ،
كَأَنِّنِي طِفْلٌ أَعَادَ اليُوْمَ ذَاكِرَةَ العَطَاءْ.
وَكَأَنَّنِي حُلْمٌ يُرَفْرِفُ فُوْقَ سَارِيَةِ الغِنَاءْ.
2003