الأغنية الثالثة (ألوجن)
والأغنيةُ الثَّالثةُ (ألوجن) ، لصاحبها سعد البياتي ،
نسبة النشيج : مئة ، نسبة الغصص : مئة ، نسبة الشجن : مئة ، مكان البوح : فوق أسمق نخلة في بغداد ، الزمان : الزمن الجميل الذي ولى بلا عودة…
- يبدأ البياتي بقراءة تعويذته ، بعد أن يعصر روحه كبرتقالة ، ويسكب قلبه في الصوت ، ويسحنُ روحه في دقيقة واحدة ، يستحضر كل أشجان كربلاء ، تتسرب كلها في توترات صوته التي فاقت ألف هيرتز قلبيِّ ، لتنهال انهيالاً على الأذن في دفقة شعورية واحدة : (ألوجن) ، البياتي "اللايج"، يلوجُ لوجاً ، أي أنه في لوعة عالية الجودة ، ثم يعيدها ، (ألوجن) ، ليضاعف الشجن واللوج يُضاعَف لمن يشاء ، ويستحضر بندائه أمه (حبيبة يا يمّه) من باب "الفزعة" : (يمّه يا يمّه )، من باب اللوعة ، من باب الحرقة… .(يهواي ألوج عليك)…
- يتحد صوت البياتي بصوت القانون ، كأنه كلٌّ واحد ، لقد جاء لائقاً لحزن البياتي ، كأنهما صوفيان يسافران إلى الله ، كأن صوت القانون رجع دفٍ ، بيد مريد ، تراتيل اللؤلؤ تنهال من عيني البياتي لا من قلبه ، لكنَّ الطامة.الكبرى تأتي في آهاته المستدامة في مناخ عاصف بالحرقة ، (آآآ) وقد لا يكفي ، فتكثر أحرف العلل والحرقة : (أوووووف) بمد غير طبيعي ،دون أي تنازل عن أي واو فيها !!!
- خرج التكرار لباب الحزن ، كررت مقاطع أغنيته مرةً موالاً ومرةً غناءً ، وذلك لغرض بلاغي ، منتهاه السلطنة ، ذاك أن النفس العربية تميل إلى ال (اوف) على أن يعقب ذلك نغم عالٍ في مأساته ، يرتفع فيه خط انفعاله بين (يمّه)و(يمّه) حسب عزمه الروحي الذي يطلق له عنان البوح .
- البياتي صاحب عهد ، يقسم به صوتاً ، وهو يقول (يمّك تظل دوم ) اي بقربك دائمًا ، ولأنه صادق يمرجح لفظها أكثر فتُمدُّ عفواً ياماااااك) ، وكان روحه تتمدد وهو يستجدي حبه ويخاطبه ، لكنه يبلغ أوج غصته ، في منتصف كلمة (تريده) ، يفقد عند لفظها زمام دمعه ، ليجعل أعيننا تتعرق وقلوبنا ترقص نبضاً !!!!
- يسبغ البياتي بعد حرقته على السامع كبرياء سرمدياً بعد أن كبَّ على قلوبنا كربلاء حزنه ، فيقول :
(بالك تذلها ) ويردفها بمعترضة -حبيبة يا يايمّة- (خل روحك بعز دوم)
لله أنت أيها البياتي ! ما أكبرك!
- البياتي أبصر بعيون قلبه ، ونحن أبصرناه بعيون آذاننا ، على مقام الحرقة والشجن ، وروحه المستنفرة الثائرة تواصل ثورتها كأنه يرفع يده بعلامة النصر ويقول :أنا…