العنف الأسري في ظل جائحة كورونا الأسباب والمعالجات
تقرير/ علي الحسني- بغداد
■ المقدمة :
لطالما سمعنا عن آبائنا وأجدادنا الكثير من القصص والحكايات التي كانت تحكى لنا لأغراض من أهمها النصح والتعلم، ودائما ما كانت تلك الحكايا تثير في نفوسِنا الهواجس والمشاعر. وتجعنا نتمنى أن نكبر سريعا لكي نفعل ما يفعله أبطال القصص، التي نسمعها بشوق ومزيد من الإنتباه والهدوء ، ولا تزال تلك القصص الجميلة تأخذ حيزا جميلا من ذاكرتنا. ولم نسمع في تلك القصص بأن الزوج قتل زوجته أو العكس ! كذلك لم نعهد تلك الأفعال التي كانت نادرة الوجود في مجتمعنا سابقا . أما إذا ما ألقينا النظر قليلا إلى مجتمعنا اليوم عبر بوابة وسائل التواصل الإجتماعي فنجد أننا محاطون بكم هائل من القصص والجرائم التي تمارس يوميا في مجتمعنا تحت عنوان (العنف الأسري ) ! وهذا يدل على وجود تغيير كبير في المجتمعِ وعاداته السائدة عبر الزمن وما وصلنا إليه من تكنولوجيا جعلتنا نفتقد حكايا الأب والجد والجدة التي كانت تروى لنا ببساطة وسلاسه لكنها بمثابة دروس تعليمية واضحة المعالم تعزز في نفوسنا قوة الشخصية وتربينا على الخلق الحسن وعدم الاعتداء على الآخر مهما كانت الظروف لهذا نحن نشهد تزايد مستمر في ظاهرة العنف الأسري.
■ تعريف العنف الأسري :
هو أيّ سلوك يُراد به إثارة الخوف، أو التسبب بالأذى سوآء كان جسدي، أو نفسي، أو جنسي دون التفريق بين الجنس، أو العمر، أو العرق، وتوليد شعور الإهانة في نفس الشريك، أو إيقاعه تحت أثر التهديد، أو الضرر العاطفي، أو الإكراه الجنسي، ومحاولة السيّطرة على الطرف الأضعف باستخدام القوى المفرطة ، أو التهديد ب الأطفال، أو الحيوانات الأليفة، أو أحد أفراد الأسرة كوسيّلة ضغط عاطفيّة للتّحكم بالطرف المقابل [١]. وعادة ما بيفقد ضحايا العنف الأسري ثقتهم بأنفسهم، وينتابهم الشعور بالعجز، والقلق، والاكتئاب الذي يتطلب تدخُل طبّي نفسي حاسم للأمر ..
■ التقارير المسجلة لارتفاع حالات العنف في العراق :
في مطلع العام الجاري 2020 شهد العراق موجة شرسة من العنف الأسري ، وبدأت الحالات بالظهور في الوسط الإعلامي خاصة في مواقع التواصل الإجتماعي وشبكة الإنترنت ومنصة الفيسبوك ، التي تنقل لنا الأحداث أول بأول وهذا ما دفع المتابعين للتدخل وإبداء رأيهم فيما يحدث ..
حيث إنطلق التقرير الأول لبعثة
الأمم المتحدة في العراق والتي تؤكد على "دق ناقوس الخطر " وتشير الى ضرورة الإسراع لإقرار قانون مناهضة العنف الأسري !
وقدمت بعثة الأمم المتحدة تقريرها من بغداد في 16 أبريل 2020 - "تحث الأمم المتحدة في العراق البرلمان العراقي على الإسراع في إقرار قانون مناهضة العنف الأسري ، وسط تقارير مثيرة للقلق عن إرتفاع في حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي والعنف الأسري في جميع أنحاء البلاد، وخاصة مع تزايد وتيرة التّوتر بين أفراد الأسرة نتيجة للحجر المنزلي بسبب جائحة كوفيد 19 "
وكما قال الأمين العام للأمم المتحدة : أنطونيو غوتيريش، مؤخرا: "إنّ أكثر مكان يلوح فيه خطر العنف هو المكان الذي يُفترض به أن يكون واحة الأمان لهنّ. إنّه المنزل. ولذا، فإنّني أوجّه نداءً جديدًا اليوم من أجل السلام، في المنازل لجميع أنحاء العالم. إنّني أحثّ جميع الحكومات على جعل منع العنف ضدّ المرأة وجبر الضّرر الواقع من جرّاء هذا العنف، جزءًا رئيسيًا من خططها الوطنيّة للتصدّي لكوفيد19". [٢] .
وفي استبيان آخر صدر بتاريخ 3/6/2020 أجرته
(دائرة تمكين المرأة) في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وبمشاركة (صندوق الأمم المتحدة للسكان الـUnfpa ) عن حوادث العنف المنزلي، والاغتصاب، والتحرُّش الجنسي للقاصرين، والانتحار المُرتبط بإيذاء الزوج.
والذي شمل (11) محافظة و(28) منطقة رئيسة ، و(42) منطقة فرعية في العراق ، حول التأثير لأزمة جائحة كورونا على حوادث العنف الاجتماعي، وأسباب زيادة وتيرة حالات العنف الأسري . والذي أكد على زيادة عدد حالات العنف الأسري خاصة في ظل جائحة كورونا وفرض الحجر المنزلي.
ووفقا لنظام إدارة المعلومات فإنّ 98% من الناجين الذين أبلغوا عن حوادث العنف المبني على النوع الإجتماعي هم من النساء؛ إذ يُمثل العنف المنزلي أكثر من 75%، تليها الممارسات الضارة عند نسبة 10%، ثم الزواج المُبكر عند 8% .
وبحسب التقرير فإنّ محافظات: نينوى، وديالى، وكركوك، ودهوك قد سجّلت أعلى الأعداد الخاصة بحوادث العنف المنزلي، وهي بنسبة 94% من الحوادث التي تمّ الإبلاغ عنها في ظلّ الأزمة الوبائية.
وأضاف إن محافظات: كربلاء، والنجف، وبابل ، وذي قار بحاجة متزايدة لتوفير خدمات مُتخصصة للعنف؛ لأنّ تلك المحافظات لم يُبلّغْ فيها عن وجود حالات أو إنها تعاني من وجود محدود لخدمات العنف على أساس النوع الإجتماعي.[٣] .
■ أسباب تزايد حالات العنف في ظل جائحة كورونا فايروس.
ان الأسباب كثير ومتشعبة لكنني سوف أحاول ذكر أهم الأسباب المؤثرة في الواقع الحاضر للمجتمع العراقي .
1) إرتفاع معدلات البطالة والفقر وتوقف أغلب الأعمال المؤقتة واليومية لطبقة وشريحة واسعة من أبناء الشعب. وبمزامنة الحجر الصحي الذي ألقى بظلاله على طبقة الفقراء وزادهم فقرا وعوزا ؛ وهذا سبب خطر يؤدي إلى زيادة وتيرة حالات العنف الأسري . خاصة في المناطق الشعبية ذات الطابع الخاص والمعدمة من وسائل الراحة النفسية والخدمات العامة .
2) أزمة السكن وقلة الخدمات وانهيار البنى التحتية عامل مهم جدا يلقي بظلاله على المجتمع، ليحوله إلى أكثر عدوانية ويجعله يمارس العنف في تعاملاته اليومية ! بشكل مباشر أو غير مباشر بقصد أو بدون قصد، مما يؤدي إلى نتائج كارثية في حالات العنف المنزلي على المدى البعيد .
3 ) تدهور القطاع الصحي في العراق وأزمة انخفاض أسعار النفط في ظل جائحة كورونا فايروس ، من الصعوبة اليوم المواجهة لوباء قاتل بأمكانيات بسيطة جدا وقطاع صحي شبه منهار تمامًا ! يفتقر إلى أبسط مقومات النجاح والخدمات التي تقدم إلى المواطن . ما أجبر الحكومة وخلية الأزمة إلى إتخاذ قرار الحجر الصحي الشامل الذي أثر بشكل عام على غالبية الشعب ورفع من معدلات البطالة والعنف في ذاتِ الوقت.
4 ) الأزمة الاقتصادية والسياسية التي يمر بها العراق، التي سببت للمواطن حالة من القلق والخوف الزائد ! ودفعت بالغالبية للتوقف عاجزة عن الحلول لإخراج البلد من هذا النفق المظلم. مما سبب تفاقم كبير في تدهور نفسية الإنسان وانهيار شبه تام يرفع من درجات الغضب والعنف ضد المقابل مهما كانت درجة القرابة منه .
5 ) طبيعة المناخ وارتفاع درجات الحرارة مع انقطاع التيار الكهربائي بالتزامن مع الحجر المنزلي الشامل وقلة مساحة السكن للعائلات البسيطة والفقيرة ، يدفعها دائما إلى التصرف بشكل غير عقلاني للتعبير عن غضبها ! لما تتعرض له من ظلم وكبت جعل من الغالبية التحول إلى قنابل موقوتة جاهزة للانفجار بأي وقت، وهذا ما يسبب ارتفاع في معدلات العنف الأسري وزيادة عدد حالات الطلاق والانفصال أيضا.
■ المعالجات والتوصيات :
لكل مشكلة حلول ووسائل تمكننا من التقدم نحو الأفضل ومن أهم المعالجات والتوصيات السريعة التي نؤكد عليها فيما يلي .
1 ) الإسراع في تحسين المستوى المعيشي للمواطن . وتقدم المساعدات المالية والغذائية والصحية، لطبقة واسعة من الناس خاصة أصحاب الدخل اليومي، والعاطلين عن العمل بسبب جائحة كورونا فايروس.
2 ) الاهتمام بمراكز الدعم النفسي ، والعمل على إنشاء محطات معتمدة لدى الدولة لتعمل على رفع مستوى الجانب النفسي لفئة المعنفين من النساء والاطفال ، ورفع درجات الوعي خاصة في الطبقات الشعبية من المجتمع، والإهتمام بالتثقيف لدور المرأة والأسرة ودور الأب في المحافظة على تلك الأسرة ورعايتها.
3 ) توجيه الإعلام والرسائل الإعلامية للتوعية ضد العنف الأسري ، وتقديم نماذج حية عبر اللقاءات والحوارات الخاصة مع الأسر الناجحة في حياتها وترابطها الإجتماعي.
4 ) الاهتمام بمناهج التعليم المبكر ، والتوجيه للحد من ظاهرة العنف الأسري وتربية الأطفال على هذه المبادئ الخلقية والدينية السامية لحقوق الإنسان .
5 ) على الحكومة العراقية الإسراع في إقرار قانون مناهضة العنف الأسري ، وتفعيل دور الشرطة الأسرية لحماية كل فرد من الأسرة يتعرض للعنف أو التهديد بالاعتداء الجنسي ، كما يجب ان يكون هناك مراكز خاصة بحماية النساء والأطفال المعنفين ورعايتهم من قبل الدولة وسلطة القانون، وفرض عقوبات صارمة بحق كل من يرتكب جرائم العنف الأسري.
بهذه الخطوات نكون قد وضعنا الحجر الأساس لمواجهة هذا المد الخطير من العنف، والذي يجب ان نعود بذاكرتنا إلى أيام قصص الآباء والأمهات والأجداد لنعلم أولادنا كل يوم قصة قصيرة لبطل مميز بعيد كل البعد عن العنف وسلبياته ليكون قدوة لأطفالنا في المستقبل .
____________________
المصادر :
● [١ ] محمد حسين (2012)، أسباب العنف الأسري ودوافعه، فلسطين: جامعة النجاح الوطنية، صفحة 4.
● [٢ ] تقرير مكتب، بعثة الأمم المتحدة في العراق، الصفة الرسمية ، 26 أبريل 2020 ، بغداد .
● [٣ ] استبيان حول إرتفاع حالات العنف الأسري، مقدم بواسطة (دائرة تمكين المرأة) في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وبمشاركة (صندوق الأمم المتحدة للسكان الـUnfpa ) ، بغداد 3 يوليو، 2020 .ا