قراءة
تحليلية في دفاتر حضور أبجدية المبدع قصي الفضلي
بقلم
الأديب / أ . هشام صيام
إبّان
العروج في فضاءات ثلاثة نصوص هي عينة تحت المجهر لمحطات حياة ذات ووطن
النصوص
................
سكك
الضباب
....................
لا تؤرقني
أصداء الماضي
فوق
سكة العمر ِ
ولا
الأوراقَ المتناثرة َ
تحت
شبابيك الغياب
وقفت
ُ …
على
قمة الأربعينَ الرماديّ
ألقي
نظرة على ما مضى
نظرة
تتعدد ُ كتعدد الوجوه
تتحرك
ُبلا توقف
كتحرك
عقارب العيون
كما
كل شيء حولنا ..
هناك
في العتمة
يوغل
قطار ُ الحياة
يتوالى
صفيره
كلما
طويت ُ عاما
من ذاكرة
قضبانه
زاحمتني
شهقات الضياع
أراني
إنساناً
أدمن
تعاطي القلق
أتقن
ترقيع حكايا جدته
يتنهد
البكاء ُ
على
رموش ٍ عزمت
ذاتَ
فراق ٍ
على
اعتزال الدموع ْ……
هنا
… على دربٍ غارق ٍ بالقلق
حتى
أخمصهِ
ثمة
َ أعمى
يودعُ
سككَ الضبابِ التي
تسير
بعيدا بعيدا
لعالم
الإله الأخر .
قصي
الفضلي
..........................
فرس
رهان خاسرة
........................
فرس رهان خاسرة
هكذا...
حيث
تقبعُ مفردات الجنون
على
صفحات ذكرياته
حروف
اسمها أسقَطها عمداً،
يبحث
عن روحه
بين
حفنات أقلام عتيقة
على
أوراقه مكدّسةٌ عباراتُ الحب.. بحروف براقة ...
تمر
على قبر حلم عصيّ..
حيث
يولد حرفٌ ليموت آخر.. بلا نهاية
حكايته
يرويها أمام سكوت الأموات..
فيبتسم
: الوقت ابتسامة من يملك الأسرار كلها
لم يبق
الكثير أيتها القصة العابرة
غادرت
ضحكتكِ العارية
تلهثُ
خلفه بلا
روح
..!!!............
قصي
الفضلي
.................
"
قديسة الحُفاة "
وأنت
تكتب
خٌذ
جنونك المعبود في صوامع الخشوع ،
لا تتزود
بالخرافة
والخيال
المجنح ...
حتى
لا تختلط
ما تبقى
من معانيك
على
حواف وطن فقد كل مبررات البقاء
ينزف
سماته
عبر
خطواتها الثقيلة
فـــ
: شوك الهواجس
النامي
حول قدميها
يطرز
حَفَف شيخوخة امرأة
هي عروس
مغنّاة لم تفضّ الأيام بكارة دعائها
حبلى
بالألم المتخثر في مساماتها
تدندن
:
(( ذبلت
وحك
عيناك
زهرة شبابي ))
يا الله
هي تنأى
عن التهجد
لكنها
تدنو إليك خاشعة
ربما
....
تؤمن
ولا تجادل بالتقوى .!
قصي
الفضلي
...........................................................
القراءة
.......................
في مثيولوجيا
حروف هذا الضوع الذي يحمل إبداع الأديب المبدع
قصي
الفضلي ...
....
نبحر في حدود منتقاة من مخاض أبجدية حلولية أحباره الموشومة على وجنات الأوراق ..،
......
ما بين ثلاثة نصوص تحمل هذا المزج ما بين الخاص والعام في حضورية تلك الأنا في خارطة
كفّ وطن ....
....
ما بين
"
سكك الضباب "
و
" فرس رهان خاسرة "
.. و
" قديسة الحُفاة "
نحن
أمام تقاسيم على ناي دفاتر حضور تحيطها أصداء الوجع ...
.....
في بيان تام على ما يكابده من عناء ملغم بصرخات قاع بئر الدم المخثر المطالب إبّان
نعيه لكل من وضع قربانه على مذبح الوطن بالثأر في تعريض ما بين خواص الذات من أحلام
كسيحة العروج سفيحة وهي في مهد الوسن ....
....
وشمولية ذبول الحلم عبر مخاض الآه من أحداق كناري دوحة عادها بليلٍ غرابيب تكبل عتبات
الغد .....
....
في سيل درامي راوٍ لحقيقة حضورية هذه الأنا التي نعرج وإياها في طبوغرافيتها الحياتية
من خلال عنوان شاهق لنص يحمل سيماتها الشخصية ومحطات تحليقها ومثولها في زمكانية دفاتر
حصورها الحياتي ....
...
في " سكك الضباب " التي نحن على عتبات المثول بين خارطة كفها بالسبر
....،
.....
ثم تلك الرهان المقبوضة بين راحات الغد والحاضر مهيض الأمل الذي يعود به من على عتبات
المجهول خاوي الوفاض في رحلة مكوكية ما بين الحلم وأول فرسخ قبل الارتطام في فصل جديد
من حوادث نسل قربان الأرض ...
الأول
في ظرفية معاصرة تحمل الجين الخاص بعلاقة الحياة وهذا الإنسان فهي لا تمني سوى لتحرم
، في " فرس رهان خاسرة " كنص يحمل نهاية حلم وبداية تأمل عبر السقوط من مهد
الوسن ......،
وفي
وسم أخير لإلياذة تلك الحياة التي تختزل عين يقين حياوات سابقة ولاحقة نقف أمام بوابات
التذمر ونحن نقدّ
أثواب
اللهفة ونجثو على ركبة الألم أمام مرايا الحقائق العارية من ترف أوراق التوت التي تواري
سوءاتنا ونحن نتكفف ترميم تشظي غطاء توتها الذابل
في نص
عبقيري الحلول الدرامي " قديسة الحُفاة " ..... ،
...
من هنا نقبل على حواشي الثلاث نصوص الأحجية التي يكشف كل منها عن جانب أو محطة من محطات
تلك الذات الناسجة للحروف المؤرخة لحضورها الزمكاني .....،
"
سكك الضباب "
........
...
" الأرق " ....
....
شعور تعبوي يؤثر بما يتركه في الذات من تبعات لا تترك سوى أثر القروح التي لا تنمحي
آثارها من جفون أوراق الذكريات الذي يغالبها السهد .....
....
هنا نحن في بداية مقرحة النظرة مبرحة الألم جالدة للحظة في بيان المطروح من عينة الرؤية
..
في تصريح
يفيد التملص ـ شعور إنساني ـ من فك هذا الجلاد والوقوف من جديد منتصب القامة ـ ديدن
حياتي بشري ـ في تباين تصويري مترع بالبديع الرؤيوي يصنعه لفظ " ماضي ... سكة
" الذي يضع على طاولة التحليل تلك الصورة المحورة من تحويل الذكريات لظاهرة صوتية
في تكثيف يحمل ما يحيط الذكريات في حلولها الحياتي رفقة هدير الأنين وصوت زفرات الألم
في حضور ما هو مشجن ...
.......
ثم تحويل هذا الصدى من ظاهرة صوتية إلى مؤنسن يعتمر الدرب الذي يصبح في لحظة فارقة
يصنعها لفظ " العمر " لطيف عابر عبر إسباغ ملكية هذا الطريق ـ سكة ـ وتوصيفة
لـ العمر لتصبح تلك الذكريات مجرد أطياف ملازمة لسكنات العمر في حلقاته المتعاقبة
...
.....،
وفي نسيج هذا الطيف التصويري نحن أمام عودة لظاهرة الصوت ـ الصدى ـ الذي يظل في دوائرة
الحياتية دون فناء ـ ظاهرة يحاول العلم إستيفاء حضورها عبر التجارب والتي تعني احتفاظ
الغلاف الجوي للصوت ..،
فالهواء
هو الحائل الذي عن طريقة نسمع الأصوات وتبتعد بعدما تمر عبر صوان الأذن تردداتها ومن
ثم ترتحل عبر طبقات الهواء ولكنها لا تفنى لأن الهواء محجوز ما بين الأرض وغلافها الجوى
مما يتيح تلك النظرية التي تدعو لعدم فناء الأصوات التي يحملها الهواء لعدم فناء الحائل
الذي يحتويها ،،تحارب علمية قيد التأكيد،، ـ من هذا ومما سبق نرى أن هذا يسقط على ديمومة
حضورية الماضي في لحظات خاصة متواترة متقطعة في محطات العمر ـ عبر التأكيد على عدم
فناء أصداء الذكريات ـ ولكنها رغبة هذا الآدمي في تخطي الألم والعبور هي التي تمنع
ملازمتها وتقلص من هيكلها الضبابي والصوتي ...
.....
يؤكد هذا المعنى للانسياب الدرامي ...
....
تعبير " الأوراق المتناثرة " يسبقها أداة النفي " لا " المعطوفة
كدفقة على ما سبقها لتحمل عين يقين المعنى .....
.....
نحن أمام رمزية يصنعها هذا الورق الذي يحمل رحم سطوره الذكريات في إسقاط على تأريخ
هذا الآدمي في تجسيد مترع الإبداع لظاهرة التباعد ـ الغياب ـ في أمداء بعيدة بين راحات
الماضي ليصبح هذا الغياب كسجن كبير يحيط كل ما كان ونحن نقف أسفل شبابيك السجن تنادمنا
تلك الأصداء المعلقة على أفريز حناجر هذا السجن مع حضور مؤنسن في ضميرنا الجمعي للفظ
" شبابيك " بهيئة الشفاه لهذه الذكريات التي يلفها الغياب وتعاود النداء
ونحن نحاول عدم الألتفات وإن كان صداها يعيش خوافقنا .....،
و بعد
أربع عقود من تاريخ الولوج للحياة وهي تستعد لاستقبال العقدة الخامسة ـ قمة الأربعين
الرمادي ـ والمشيب بنكهة ضبابية اللحظة في منعرج سجلات تلك الذات ..
...،
هنا نحن أمام ابتكار رؤيوي يضعنا أمام لحظة فلاش باك تعني استجرار حلقات الحياة والوقوف
أمام هذا القادم ..
.......
في مثول تعبير " عقارب العيون " التي تحمل تلك الرؤية الميقاتية التي تعبر
عن سبر زمكانية الحضور ....
.....
ثم هذا التعبير مبهر الصور الذي يحول مرور محطات العمر السريع ـ بالنسبة لعجلة سريان
الزمان ـ لقطار يدهس ويترك الأثر على القضبان ـ تجاعيد .. مشيب ـ ويتعرق الذكريات لتظل
رهينة بين سياج الأنا ـ قضبان ـ يشرئب بخرُها فيزكم الروح ...
......
في خارطة كف حياة ...
....
في إعداد دفقي يحيطه التأمل يعني مقدمة لضياع تلك الجياد وعدم وصولها لمحطة مثولها
لتصبح رهينة مفاذة هوامش الأحلام وقد خسرت رهانها في الجزء الثاني من الألياذة
.....
......
المعنونة بـ "فرس رهان خاسرة " في سردية تعني وشم الحدث الجلل في رقعة بيانية
من مسطح السطور وكأننا أمام حكاء يروي على ربابة النبض كيف درب ووهم وجنات حجارة النرد
وكيف سقطت متناثرة أسفل الطاولة .....،
وفي
تحويرية من أبعد نقطة في قاع السطور نبدأ العروج المصور و...
....
" قبر حلم عصيّ "
في تلك
المزارات التي يدلف إليها ساكنو تلك الأوراق الذابلة في مرور على رفات الأحلام الموؤودة
بين راحات الثرى .....
....
لتضع بعضا من نطف أحداق الحبر على الشاهد وتمحو أخرى في مشهد حياتي متكرر وضع الأحلام
في ظرفية الدُنا ـ الدنيا مرافئ أحلام بالفعل ـ ونحن تلك الحروف سريعة المرور تنتهي
حياتنا بمجرد فقدان بلل أحبارنا على جدارية الشاهد ثم تأتي حروف أخرى لتزيح ما تخثر
لتتصدر المشهد وهكذا في ميلاد مستمر يعقبه موت ويسبقه موت ...
....
في مشهد يحمل عمقاً وتكثيفاً بديعيْن ....
.....
حيث يصبح هذا الميقات الزمانيّ هو السيد والحكم وهو يشيح بصره ـ في تجسيد مؤنسن ماتع
ـ ويبتسم دون بنت شفة بثقة من يعلم ما ستصل إليه محاولات العروج الحياتي خلف الحلم
وهو يسم ذيل السطور بخاتمه الخاص المموّه بالزهرة القرمزية في استعداد لمهر حروف (The
End
)
......،
لتقف
نلتقط الأنفاس بعد مقدمتين لنجد رؤيتنا تتمدد ثم تنكمش في قياس أرسطيّ يحملنا والجزء
الأخير من الإلياذة
"
قديسة الحُفاة "
إلى
نتيجة تتمخض من رحم هذا الثالوث الإبداعي تحمل منقوع الآه المراق على مذبح السطور
.....
.......
، فإلى مرافئ غرق النهايات نذهب ..
....
و...
"
وأنت تكتب "
محطة
صمت ضئيلة في سكينة مرتبكة لا تشي بحضورها وسط هذا الغاب المدمى بتعرق مخثرات الحبر
، يتبعه فعل أمر
"
خُذ " ....
لنذهب
في مشهد يحمل زفرة النهايات على نايات وجع ثنيات وداع الحلم .....
.....
ليضع ناسج الإلياذة تلك الأماني في ثوب إله إغريقي يُمنع إبّان تناحره مع آلهة أخرى
من وشم ما وعد به من أماني،
في مشهد
درامي يسقط على حالة الأحلام المتناقضة في ماهية حضورها على شطوط التيه البشري وتناحر
خطواتنا المتعجلة في الهرولة في اتجاهات متعددة لتحقيق أكثر من غاية في وقت واحد فتضيع
وتتفرق كقطورات ماء خدعت راحة يد ..،
.....
في تصوير بديع يضعها في محراب تصدح به ترانيم رجاء مقيدة العروج ....
.....
في دعوة لعدم امتطاء خيالات اليقظة المدمرة ـ المجنح ـ في عودة ملهمة للمحطة الثانية
من الأإياذة عبر تناص أسطورة الجياد المجنحة ـ بيغاسوس ـ في إسقاط على سقوط فرس الرهان
في تصوير يحمل تماسّاً يجمع ما بين النتيحة ـ الخاتمة ـ وإحدى مقدمات الثالوث النصي
في براعة شاعرية تصويرية فالأحلام لا تتحقق عن طريق الخيال الرخو ولكن بالعمل الجاد
والوقوف على أرض صلبة ....
.....
نحن أمام هذا الثالوث الحادي للدهشة نقف للتعرف على محورية أداء الحرف في أبجدية أديبنا
المبدع قصي الفضلي وقدرته على الدمج لكل محطات الحياة في وحدة عضوية واحدة تضع هذا
المنتج الأدبي من خلال تلك العينات الثلاث تحت مجهر البحث والدرس وهو يحمل نكهة تأريخ
لهذا الآدمية ...
.....
لتضع أمام نواظرنا احتمالات النهاية عبر اليقين لنصل لمفترق طرق هذه الذات ومفردات
سقوط حلمها وحلم الوطن في خروج من عباءة الخاص للعام في رؤيوية حاذقة في تمازج تام
ما بين البنية النوعية للحلم الخاص وتناميه وحلم شعب تختلف رؤاهم وطرق صعود عتبات الغد...
...
برغم علامات التحذير من هذا الخلط دون تهيئة الظرف للتكيف ..، والذي أعقبه مخاض مغاير
يجمع ما بين لقاح نطف الأماني من هنا وهنا فتوارى السبيل ليبدأ ماجلان الذات بالبحث
عن سبيل رأس رجاء آخر يراود به شطوط النجاة في منحوتة من التيه في معرة حفاة الحلم
والغد على أفريز هاوية تقف عليها أكف ضارعة لم تفض عذرية شيفرة مفاتيح بوابة عروجها
بعد ....
......
في ختام داهش ما بعد الرثاء يتيح دمعات الغياب على وجنات هوادج ثنيات الوداع ...
......
لنتوقف في نظرة أخيرة ونحن نرى انهمار هذا الثالوث النصي في معية واحدة تجمع كل مفردات
عين يقين خارطة كف رؤيوية محطات عروج الأنا الخاصة بناسجها والتي تحمل كل جينات الحلم
وما تلاه من مكابدة وعناء وما تكشف من كشوف وضعت الأمداء في وضعية السراب الذي تحيطه
نظرات ضارعة تحتجب في حناجرها خيوط أمل لا تقوى على البوح به خشية مغبة جلدات الحياة
وانتكاسة الأمل الدائمة ...
.....
فعين اليقين تتوارى في لحظة مكاشفة بفداحة النتائج خلف تلك الحناجر الخرساء .

