-->
مجلة دار الـعـرب الثقافية مجلة دار الـعـرب الثقافية
recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...
random

مناحر بريئة ... للقاصة : أ . أميرة إبراهيم - سوريا


مناحر بريئة
للقاصة : أ . أميرة إبراهيم - سوريا 


بعد كلّ غروب كان الدّم يسيل معفّرًا بظلال وتراب ليس له لون ولاطعم، لكن رائحته كانت تملأ كل بيت عُجن بقهر عاجز.

كلما حاولت أن أتظاهر بالقوّة خانتني عيناي وفضحتني دقات قلبي .
أغرق في لملمة مايتناثر من شظايا ورصاصات فارغة في فسحة الدّار التي تطلّ على الشّارع حيث يكتظ ليلاً بأصواتهم الغليظة ورائحتهم النتنة.

أصوات ضحكاتهم تمزّق جدران بيتي التي كانت تهتزّ لقوانين وضعوها وربيع إدعوا بوجوده، بعد ساعات الخوف الطويلة ينقشع هذا الكابوس، فجر وبزوغ شمس يوم جديد لنبدأ  حياتنا اليوميّة وكأنّ شيئاً لم يكن.
تضيق مساحات التّفكير ويختصر الحديث بعبارة(لاجدوى من الإنتظار، علينا مغادرة البيت والمدينة بأسرع وقت) .

وبين مؤّيد ومعارض تغوص الرّوح داخل جدران ذاكرتنا وقسوة ماهو آت.
أسئلة كثيرة بلا أجوبة ورؤوس ذليلة.أليس من حقنا أن ندافع عن أنفسنا؟ عن ماضينا وذكرياتنا..عن كل شبر في وطن تكالبت عليه أمم كثيرة؟
في لحظة الإحباط اليائس غير المفهوم ومن دون أي مقدمات يُطرق باب الجيران، تفتح المرأة الباب لتجد سيارة سوداء وأربعة رجال مدججيّن بالسّلاح ،مقنعيّ الرؤوس ووجوه كالحة بلحى طويلة، يبعدونها جانبًا ليداهموا البيت ويعتقلوا جارنا وأولاده الذكور.

-إلى أين؟ 

تصرخ الزّوجة وتركض وراء غبار السّيارة التي اختفت بعيدًا ولم تعرف جواباً لسؤالها.
اجتمع رجال الحيّ والخوف يكلّل كلّ شيء، أصوات إطلاق رصاص من بعيد وتكبير يشقّ الصّدور، تشخص الأبصار فتتسارع نسوة الحيّ لمواساة الجارة.

تسارعت الأحداث بشكل غريب ومدهش في الوقت نفسه،كنا جميعًا نجلس في فسحة الحيّ نرتقب ونكرّر الدّعاء والرّجاء من الله أن تكون الرّصاصات بعيدة  عن جارنا وأولاده.
صرخ أحد شباب الحيّ بقوّة وهو يحمل سلاحه يتوعّد ويقول: 
أين أنتم أيّها الكفرة الجبناء؟

فيرد عليه آخر: أخفض صوتك وإلا كان مصيرنا جميعاً مجهولًا،شهامتك هذه لن تفيدنا الآن فنحن الأضعف، يتابع حديثه بفلسفة لم تقنع أحداً وبحديث عقيم لاجدوى منه.

أدركت الآن أننا في غابة لاقانون فيها ولاخوف من الله، كل شيء مباح..بيوتنا..أولادنا..عرضنا وأننا نقف بطابور ننتظر دورنا ولابدّ آت بكلّ بشاعته.
أغرق في التّفكير وخوفي على أولادي ودموعي التي ماتوقفت لحظة، أما رجال الحيّ فقد أفرغوا قلقهم بالصّمت وحرق لفافات التّبغ.

استمرّ القلق ساعات طويلة حتى بزوغ الفجر، يقترب من بعيد رجل يمشي بخطى متثاقلة محاولاً إظهار التّماسك والشّجاعة أمامنا، بعد ذلك أسمع كلمات  :(لاحول ولاقوة إلا بالله،حسبنا الله ونعم الوكيل)

يطلب منهم الإسراع في ركوب الحافلة لإحضار الجثث الثّلاث ولملمة أشلائها، الأوغاد لم يكتفوا بالقتل بل شوهوا وجه جارنا وأولاده وقاموا بفصل الرّأس عن الجسد ..

يالبشاعتهم..وقذارة ماارتكبت أياديهم الملوثة بدماء الأبرياء،لم أستطع أن أتمالك نفسي ولم تعد قدماي قادرتان على الصّمود والوقوف أكثر، جلست قرب جارتي التي كانت نسوة الحيّ يقمن برشّ الماء على وجهها عسى أن تستيقظ من غيبوبتها، رجال الحيّ قاموا بدفن الجثث إلا أنهم لم يجدوا رأس أصغر الأولاد ودفنوه بلا رأس، (ربما سارعت الضّباع بالتهامه فلكلّ منا في هذه الحياة قسمة )..هكذا دمدم  مختار الحيّ متأسّفاً.

أفكار وتساؤلات عدّة تدور في رأسي المتعب، إلى أين تأخذنا هذه الحرب اللعينة وهذه العقول المتحجرة؟ بلحظات سوداء تسفك دماء جارنا وأولاده بلا ذنب..
بأي حقّ يزهقون أرواحاً..وأيّ شريعة يحتكمون؟

كان نهاراً شتائيّاً بخيلاً بنوره..حاولت إضاءة مصباح قديم بقليل من نفط وزيت، أوراقي البيضاء تنتظرني لأنثر فيها سواد أيامي التي عشتها وسنعيشها لاحقاً.
أمسكت القلم..حاولت..  كتبت (وطني)  لم أستطع كتابة مابداخلي، أو الأصح أنّ أوراقي لاتكفي لما نعانيه.
إنطفأ المصباح وانتشرت العتمة في كلّ مكان وصقيع القلب الممتلئ حزناً وألماً..فيما كانت الكلمة الوحيدة التي كتبتها هي المضيئة فقط .

عن محرر المقال

aarb313@gmail.com

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مجلة دار العرب نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد االمقالات أول ً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

مجلة دار الـعـرب الثقافية

مجلة عراقية . ثقافية . أدبية

احصاءات المجلة

جميع الحقوق محفوظة لمجلة دار العرب الثقافية - تطوير مؤسسة إربد للخدمات التقنية 00962788311431

مجلة دار الـعـرب الثقافية