-->
مجلة دار الـعـرب الثقافية مجلة دار الـعـرب الثقافية
recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...
random

قراءة لرواية جوِّنتنامو للكاتب يوسف زيدان ... كتب : أ . إبراهيم الأعاجيبي / النجف



قراءة لرواية
 جوِّنتنامو للكاتب يوسف زيدان
كتب : أ . إبراهيم الأعاجيبي / النجف



معتقلٌ في السجن الأمريكي  

لعلّ اسمها يثير في القارئ التساؤل عن معنى كلمةِ جوِّنتنامو, هو السجن الذي أُعتقل فيه الإعلامي برس كما ينادونه, قضى فيه خمس سنوات, يصف السجن بأنه عبارة عن جحيمٍ أرضي يقبع فيه ما يقارب سبعمائة سجين, هذا السجن كان أشدُ من ظلمات البحر على هؤلاء المساجين الذين وصفتهم السلطات الأمريكية بأنهم إرهابيون, على حينِ غرةٍ يعتقل الإعلامي بمكان عمله الذي أرسلت إليه الجهة التي يعمل معها, أُقتيد فجأة إلى السجن دون أن يعرف الجريمة التي أقترفها, هناك يجد نفسه متهماً بقضيةٍ كبرى, وهي الانتماء إلى جماعة الإرهابي الذي تصفه الولايات المتحدة الأمريكية بأنه أخطر إرهابي يهدد المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط ألا وهو المدعو أسامة بن لادن, برس التقى بابن لادن مرة واحدة في حياته ويصفه بأنه كان رجلاً طيباً, بل إن اِبن لادن كان نفسه ملاحقاً من قبل الجماعات الاسلامية المتشددة, هذه الصدمة الكبرى التي جعلته يدفع ضريبة لقاءه مع اِبن لادن, هي مرةٌ واحدةٌ لكن تباعتها كلفته خمسة سنوات بجحيمها, إن قوات المارينز الأمريكية هي التي ألقت القبض عليه, ورمته في المعتقل, يقيدونه في السلاسل, يلجأ إلى ما يحفظه من القرآن الكريم ليحفظه ويحميه من هؤلاء, عندما يجلس أمام المحقق وتتلى عليه الأسئلة يجيب: لقد اختطفوني بطريق الخطأ من عند الحدود التي كانت تفصل بين باكستان وبلاد الأفغان, وكنتُ أقوم بتغطيةِ الأحداث هناك, ربما قمتُ عن غير عمدٍ بخطأ غير مقصود, فقد كنت جديداً في المهنةِ وغريباً عن المكان, لكنني لستُ العدوَّ الذي يظنون, كان ذكياً معهم لذا لم تعجبهم ردوده فأرجعوه إلى الزنزانة, برس ذو نزعة دينية يلجأ إلى ربه عسى أن يفك أسره من هؤلاء الظالمين, يتوضأ ويصلي همساً بعد أن نهره الجندي بكلمة يابن الخنزيرة, كان يظن أن السلطات أخطأت في اعتقاله وسيطلقون سراحه قريباً حتى استمرت مدة اعتقاله خمسة سنوات من العذاب, في قفص السجن, ثم تمضي الرواية تصف جحيم خمسة سنوات في معتقلٍ أشد من الظلمات الموحشة, يتعرف على المسجونين الذي ينتمون إلى جنسيات مختلفة, يتعرض إلى كثيرٍ من المراودات حتى يقع في واحدةٍ منها وكانت مع عسكرية تدعى سالي, يمارس معها بعد أن عرضت نفسها عليه , والنفس أمارة بالسوء إلا ما رحم ربها, هي تصف التفكير الأمريكية في رؤيته إلى مصالحه وعلاقاته مع رؤساء الشرق الأوسط, وكيف امتد نفوذهم ومدى قوتهم, الكاتب ضليع في اللغة العربية ويكتب بحرفية عالية جداً, الصراع النفسي لدى الراوي الذي سرد لنا القصة كاملة كان واقعياً بامتياز, الشخصية روت ما عانت منه من الأحداث بلسانها, إن التتابع السردي للقصة كان محكماً بحيث أن الكاتب عمد إلى البطل ليعطيه ذكاءً مميزاً ليسلمه مقاليد السرد, كان السرد يتحدث بصوتٍ واحد هو للشخصية المحورية, قد تشعر بملل في سرد التفاصيل الدقيقة للرواية إلا أنها ضرورية لإتقان الحبكة في صناعة الحدث الروائي, أي لا يوجد كلام زائد عن الحاجة بل إن ما روي لنا خدم السرد وأعطاه ميزة جمالية, الإستعارات التشبيهية كانت كثيرة سواء بوصفه شخصية أو مكان أو حالةٍ ما, وبعد أن يقضي سنوات بعذابٍ وألم يرى أنهم يساومونه في خروجه, يخاطبهم بأنه لا يريد أي تعويض ولن يقول أنه كان معتقلاً هنا, لكنهم لم يقبلوا إلا أن يجعلونه عيناً لهم بعد ان يكتشف أن أحد أقرباء أمه والذي أسمه حمدون أبو الجاب يعمل لصالح الأمريكان, ويفاجئ بأن مهيرة زوجته قد تزوجت أحد أصدقائه الذين كان يعمل معهم في الدوحة,  ساعد هذا الشاب الجزائري مهيرة لتتبع أخبار برس إلا إنها بعد أن يئست منه قد تعلقت أو تعلق بها الشاب الجزائري, أخذها إلى الجزائر, لم يبقَ عنده إلا أمه وأخوه, يحاول أن يكون ذكياً معهم لكنهم أذكى وأذكى, يقبل بشروطهم والتي يجد فيها بعض الراحة, فقد ذهبوا به إلى لندن لقضاء شهرين هناك, حتى يتهيأ إلى عودته إلى بلاده, إن إدارة المعتقل قد وفرت له كل السبل, لن يسأل عنك أحد هناك, وإن سألوك اخبرهم أنك تعرض لوعكة صحية نقلت على إثرها إلى المستشفى, المصادفات كانت كثيرة سواء في السجن أو خارجه, هذه المصادفات حاكها الكاتب بإتقان عجيب مكنه من سردها ومفاجئة القارئ بالمستحدث من الأمور, الشخصية المحورية كانت متدينة وتميل إلى الاسلاميين مما جعل السرد يكون أقرب إلى تفكيرهم وقناعاتهم, إنها شخصية مثقفة ثقافة اسلامية, كثيراً ما أستشهد بالآيات القرآنية وبعض الأحاديث النبوية ليبين مقدرته في علوم الدين, إنها تستحق الاشادة بها لما حققت من جمالية تشويقية للقارئ الذي يمضي مع السرد سواء بأفراحه أو أحزانه, عايشنا القصة بألمها وتقلباتها واقتنعنا بما قامت به لأن حبال السرد قادت الحدث أن يكون هكذا, لأن السارد أراد أن نقتنع بفكرته وبآراءه  كيفما تكون نهاية الحدث لحرفيته وتقنيته الجيدة ببث أفكاره  .

عن محرر المقال

aarb313@gmail.com

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مجلة دار العرب نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد االمقالات أول ً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

مجلة دار الـعـرب الثقافية

مجلة عراقية . ثقافية . أدبية

احصاءات المجلة

جميع الحقوق محفوظة لمجلة دار العرب الثقافية - تطوير مؤسسة إربد للخدمات التقنية 00962788311431

مجلة دار الـعـرب الثقافية