-->
مجلة دار الـعـرب الثقافية مجلة دار الـعـرب الثقافية
recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...
random

قراءة في قصة قصيرة / سيكولوجيا ( دين ) للقاصة شيماء المقدادي

قراءة في قصة قصيرة 
سيكولوجيا ( دين ) للقاصة شيماء المقدادي
خالد مهدي الشمري




فن القصة لمن يعتقد انه فن بسيط اعتقد انه غير صائب ذلك البحر الكبير الذي تتشعب طرقه ومسالكه ولن نصل الى الكمال مهما حاولنا ولابد لنا من الوصول الى ماهيات مختلفة وتوجس والحذر فكثيرا منا يتحول الى عالم ادبي اخر دون ان يشعر والكثير من الناقد حاولوا تثبيت الحدود ووضع النقاط على حروفها بنسبة للقصة .

قصة دين للقاصة شيماء المقدادي تتناول فيها القاصة موضوع غاية بالأهمية وانا اقرأ تراودني كلمات الدكتور سعد حياوي الذي قال : اذا لم تتساقط قطرات دم او دموع في حضني او سرور في قلبي او فكرة جديدة في عقلي ، فلن اكمل قراءة القصة القصيرة .

في هذه القصة شابه تكتب مذكراتها وهي ووالدتها تبحثان عن الحياة ما بعد وفاة والدها . ليكون هناك عامل تشويق للحدث وهو مشكلة الدين الذي خلفه الوالد المتوفي . صورت لنا الكاتبة بلغة عالية البيت وطريقة عيش البنت مع امها واضافت للقصة جمالية الحكي والحكاية تختلف عن القصة لسندها ويغذي قصتها السرد القصصي المفعم بالحياة . نقف قليلا عند مدخل القصة والجملة الرائعة والمتكاملة لدى القاصة حيث كتبت (قريبا من نافذتها التي تطل على الزقاق الذي بدأت العتمة تأكله رويدا ) كما استخدامها للغة بطريقة مشوقة كما في العبارة (غير ابهة بحلول الليل ) .

كذلك نتوقف عند الدمية التي تنطلق من خلالها الى تعريف شامل وايضا مترابط مع واقع القص وتحت وتيرة واحدة واسترسال مستمر . حينما عرجت على الرأس واصفتا اياه بانه مركز الوجع كذلك هو بداية الحياة حين يصبح نافذة للمعرفة . لتوصلنا الى ما تريد حيث قالت : والاشد إيلاما حين تعيش بين اناس لا يفهمون من الحياة الا انها التهام جائع ، للطعام والتناسل والمال . اما غيرها فهي مكملات لا حاجة للإنسان بها .

تطرقت القاصة الى الحياة البائسة التي تعيشها البطلة وهي ايضا من ارض الواقع الذي يصاحبنا جميعا وعرجت الى ما يمر به العالم من من اهلك العالم وهذا المرور وجدته لم يضعف القص وراحت تقول انه مع الموت والجوع ونقص المال اصبح جزء من واقعنا ومن ما كتبته في مذكراتها لذلك كان مرورها مرور طبيعي سلس . (ربما الكورونا جاءت فعلا لتتنفس الارض ، لكن البشر لا زالوا يختنقون و لا مقدرة لهم على التنفس . انهم يزدادون بعدا عن الارتقاء للعيش كبشر ربما لذلك كثر بينهم الجهل )

نحن امام فعل نفسي حينما غرزت البنت الابر في ساقها وهو تعبير للرفض ، واقصد ما فعلت والدتها من طريقة لسداد الدين الا وهو تقديم نفسها . ثم قدمت القاصة مقطع غاية بالروعة وهي تتعثر بثوب والدتها من خلال الجملة جعلت المتلقي يعرف ما تريد حيث كتبت : وهي تسير علق ثوب امها الذي اعتادت ارتدائه كلما شعرت بالوحدة والشوق لمن رحلوا ، بذراع الكرسي .. دفعته تحت الحبل بعد ان حررت الثوب ، ثم أرتقته ، مررت رأسها في دائرة الحبل ودفعت الكرسي بقدمها .

في نهاية قصة دين اوصلتنا القاصة الى ربط جميع اطراف القصة منذ بدايتها لتكون خيطا واحدا متكاملا في مذكرات طفلة وبينما مر عليتا بان الام هي من دفعت الدين عبر تسليم نفسها وشرفها الى الدائن الا ان الطفلة كتبت انها هي من دفع ولذلك وضعت النقاط على الحروف عبر خسارتها لوالدتها وموت ابيها فكانت النهاية جميلة جدا : هذا ما كتبته في الصفحة الاخيرة في مذكراتها ، وفي الصفحة الاولى دونت وجعها ..

موت وليست حياة لمن زحف له يتم الام وهو لا زال طفلا  ، اما في الصفحات الباقية فقد تكررت عبارة واحدة ( دفعت دين اب  .

.

دَين 


قريبا من نافذتها التي تطل على الزقاق الذي بدأت العتمة تأكله رويدا ، تجلس خلف منضدتها غير ابهة بحلول الليل الذي تحاول بعض أنوار باهتة تصدر من نوافذ البيوت المتلاصقة تخفيف كثافته ، فالليلة تبدو كأنها دون قمر ربما لانه في مرحلة المحاق يحاول ان يولد من جديد ، هذا ما فكرت به حين اخرجتها من افكارها الاصوات المتعالية الاتية من خلف جدران هذه البيوت كأنها تحاول شق الفضاء بقوة ، رفعت  رأسها من بين اوراقها المرتبة باحتراف بين يديها على منضدتها الصغيرة التي تزينت بحافظة اقلام صنعت من خشب بطراز قديم ،  وشفرة حلاقة ملفوفة بشاش طبي بعناية ، ودمية صغيرة برأس كبير لا يلائم حجم جسدها .
الرأس ، هو بداية الحياة حين يصبح ذو نوافذ للمعرفة ، لكنه بداية الوجع وابديته حين يشتعل فيه مصباح الوعي الذي يجعل الامور اسوأ ، فهي  تجعلك ترى ما يجب ان تكون شكل الحياة عليه وبين واقعها المفروض ، والاشد إيلاما حين تعيش بين اناس لا يفهمون من الحياة الا انها التهام جائع ، للطعام والتناسل والمال . اما غيرها فهي مكملات لا حاجة للإنسان بها .
تترك ما بيدها من اوراق بينما بقي القلم يتنقل بحركات بهلوانية بين اصابعها التي تنتهي اطرافها العشرة بشرائط لاصقة طبية . تسير في غرفتها بخطوات ثابتة كأنها تقدم عرضا عسكريا وبينما تتنقل بخطواتها تحدث نفسها ( وهل الحياة في الحقيقة الا مأكل ومشرب وتناسل وان كل معرفة غايتها تصب في تهذيب الطرق لأشباع هذا الجوع ) ، تمر من تحت الحبل المعلق في سقف غرفتها ، المربوط بحكمة والذي ينتهي بدائرة معقودة .
ترفع رأسها الكبير الذي يشبه رأس دميتها وهي تفكر ان تترك كتابة مذكراتها ، لا شيء يستحق التدوين فلا جديد غير طرق الموت وابتكار تركيع الاخر ، البلاد لم تعد تتنفس ، ربما الكورونا  جاءت فعلا لتتنفس الارض ، لكن البشر لا زالوا يختنقون و لا مقدرة لهم على التنفس . انهم يزدادون بعدا عن الارتقاء للعيش كبشر ربما لذلك كثر بينهم الجهل .
- الجهل امر غير مقبول ، النجاح فقط هو ما يجعلك انتِ .
هذه الكلمات التي كانت تسمعها من والدها طويلا كانت هي السبب في جعلها مختلفة عن الاخرين في حيها الذي لا يفكر بغير اشباع جوع شهوته من طعام وجنس .
ينكمش قلبها حين يمر على خيالها الجنس ، تتأمل اصابعها الموثوقة بشرائط طبية لاصقة ، تهرب عيناها الى شفرة الحلاقة الموضوعة على منضدتها ، لا تذكر متى بدأت الرغبة تدغدغ مشاعرها و تعتريها ، لكن هذه الرغبة دفعتها لأحضان ابن الجيران لتجمعهما قصة حب مضحكة نسبة لعمريهما ، حتى عرفت بذلك امها واسرعت لتخبر والدها ، فما كان منه الا ان امسك اصابعها وقام بجرحها على التوالي ، صرخت طويلا دون ان يسمعها والدها ، الرجل الذي يرتاد المسجد في كل فرض ، فِعلُها هذا كان جريمة في البيت الذي يتعالى فيه صوت القرآن والتسابيح بينما تتصاعد رائحة البخور لجلب الخير بين هذه الجدران .
تعود الى منضدتها وهي لا زالت تتأمل اصابعها وكيف اصبح جرح اصابعها كلما اجتاحتها الرغبة  عملها الذي لم تعد تشعر بغرابته ، الغرابة كانت فقط في اجابة الاخرين عن سر اصابعها الموثوقة دوما بشرائط طبية .
صوت والدها ووالدتها في صالة البيت الصغير يبدو لها واضحا وهما يتحدثان عنها 
-  انها تحبس نفسها كثيرا في غرفتها ، نعم اردتها ذات شهادة لكن ليس الى درجة ان تتقوقع  
 - سوف احدثها لتخفف عن نفسها هذا الضغط 
 ثم يصبح حديثهما همهمة لا تفقه منها شيئا . تنهض من جديد وتتجه الى باب غرفتها ، تفتحها رويدا ، التلفاز الذي في مواجهة باب غرفتها مطفأ ، الانوار مطفأة ، خيال والديها وهما يتحركان فقط ما تشاهده ، انهما يعدان عشاءهما على انوار الشموع البيضاء التي جلبتها امها من مقام السيد الكيلاني .
ضحكت وقتها وهي تشاهد امها تعود للبيت من زيارة الشيخ الكيلاني بالعديد من الشموع ، قالت لها : امي ، الجميع يشعل شمعة ويبقيها لتحقيق النذر ، لكنك عدتِ ببعضها .
اجابتها امها : انهم جهلة ، انا اجلب الشموع من حضرته لتنير بيتنا ، هل فهمت ؟ انها شموع مباركة ، سوف تحفظنا .
كل الاشياء التي تأتي او تمس مراقد ومقامات الاولياء دلالة خير لحفظهم ، هكذا كانت ترى امها الامر ، تذكر كيف البسوها وهي في العاشرة من عمرها ثوبا خاطته امها في حضرة الامام الكاظم لتشفى من الم اقعدها دون معرفة سبب . وقد حدث وان عادت لها صحتها رويدا .
لكن الحقيقة انها لم تكن مصابة بشيء ، فقط ارادت ان تنهي ساعة غضب والديها منها التي استمرت لايام تحولت الى اسابيع بعد ان كشفا علاقتها ، وقد نجحت في اعادة رضاهما حين ادعت انها غير قادرة على السير ، وتحملت الوخز كثيرا حين كان بعض الاطباء يقومون بوخزها ليتبينوا امرها .
تنظر الى ساقيها ، اثار الوخز في كل مكان ، وهذه من فعلها ايضا .. تفعلها كلما كذبت .
- لكن لم اكذب ؟
- تسمع صوتا في رأسها يردد : لتوهمي ابويكِ انكِ ناجحة وسعيدة
- لكني سعيدة وناجحة ، اخبرت ابي اني بخير حين ذهبت بصحبة امي الى قبره ، لكني لم اخبره اني لم استطع تسديد ديونه فلم اعثر على عمل بعد .
-  اذن امكِ مع من تتكلم ؟
تعود وتفتح الباب رويدا ، تنظر الى امها ورجل يحاول اغواءها لتهبه نفسها مقابل ان يتنازل عن دين والدها الذي تكاثر بسبب مرضه الذي طال  بعد اصابته بذبحة في القلب اوالتي كانت السبب في وفاته لاحقا  . لم يكن شكل امها وهي تتجرد من ملابسها واضحا بسب الظلمة ، لكنها فهمت ما انتهى اليه الامر .
عادت الى فراشها ، اخذتها عيناها الى الشفرة ، شقت اصابعها من فوق اللواصق الطبية ، نهضت وجلبت ابرة الخياطة الخاصة بها ، راحت تنبتها في ساقها مرات عديدة بسرعة وقوة .
سمعت صوت امها وهي تطرق الباب : هيا يا ابنتي العشاء جاهز .
نهضت بتثاقل  ، وهي تسير علق ثوب امها الذي اعتادت ارتدائه كلما شعرت بالوحدة والشوق لمن رحلوا ، بذراع الكرسي ..  دفعته تحت الحبل بعد ان حررت الثوب ، ثم أرتقته ، مررت رأسها في دائرة الحبل  ودفعت الكرسي  بقدمها .
......

( الوجوه غريبة ) هذا ما كتبته في الصفحة الاخيرة في مذكراتها ، وفي الصفحة الاولى دونت

عن محرر المقال

aarb313@gmail.com

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مجلة دار العرب نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد االمقالات أول ً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

مجلة دار الـعـرب الثقافية

مجلة عراقية . ثقافية . أدبية

احصاءات المجلة

جميع الحقوق محفوظة لمجلة دار العرب الثقافية - تطوير مؤسسة إربد للخدمات التقنية 00962788311431

مجلة دار الـعـرب الثقافية