الكاريكاتير وعلاقته بالـ ق.ق.ج
(نموذج تطبيقي):
(نموذج تطبيقي):
يعتبر فنّ الكاريكاتير من الفنون الإنسانية التصويرية الممتعة والمتصفة بالسهولة الممتنعة، حيث تأتي السهولة من سرعة الأداء والاقتصاد في تحديد الملامح والتركيّز على الفكرة التي أنتجها الرسم، أما صعوبة الفنّ فتكمن في قدرة الفنان على التعبير عن موقفه باستخدامه لغة الرسم التي عناصرها الخطوط و"التلوين" في بعض الحالات لإنجاز المفارقة التي تلقي الدهشة في نفس المتلقي وتكشف عن عمق معرفة الفنان بقضيته وماتتركه اللوحة من بياض موحي، وفي كل ذلك يتشارك هذا الفن الساخر بأسلوب القصّة القصيرة جداً حيث يحقق الأسلوبان كثافة المشهد المعبّر مع فارق لغة الكتابة والتصوير باعتماد أحدهما الخطوط والآخر لغة المعجم الرمزي لإنتاج لغة أصليّة بافتراق المشهد عن ظلّه في تحقيقه الثنائية اللغوية، أضف لذلك فالفنون لغاتها عالمية يمكن فهمها وإيصالها بطريقة مبسّطة لمختلف الشرائح الثقافية، والفنون تملك القدرة على النقد والسخرية بما يفوق المقالات والدراسات والتقارير الصحفية والروايات عبر مساحة إنشائية صغيرة الحجم.
أصل كلمة كاريكاتير إيطالي من لفظة كاريكير Caricare التي استخدمها موسيني Mousini في عام/ ١٦٤٦، وتعني المبالغة أو تحميل مالا يطاق. أول فنّان أوربي اعتمد لغة الفنّ هو الرسام الإيطالي "جيان لورينزو برنيني" وقدّمه للمجتمع الفرنسي في عام/١٦٦٥، وازدهر الفن في كل من إيطاليا وبريطانيا الأوربيتين خلال القرن الثامن عشر والتاسع عشر، ليشقّ طريقه في أمريكا مع بداية القرن التاسع عشر. عرفت الحضارات القديمة الفن كالآشورية واليونانية والمصرية ويعود أقدم رسم كاريكاتوري لعام/١٢٥٠ قبل الميلاد، حيث وجد في مقابر وادي الملوك بمصر القديمة...
تري الصورة المثبتة هنا ما ذهب إليه مقالي المنشور في صفحتي وتطلّب أربعة مقاطع كتابية، اختزلها الفن بلوحة مساحتها الإنشائية أصغر بكثير، وأردت في مقالتي هذه أن أبيّن دلالات الرسم عبر قراءة سيميائية تظهر مرامي الرسّام وعمق درايته وخبرته الراسخة في إبراز ما يحدث في حرب كورونا المتّقدة بين أمريكا والصين، مجلياً توقّعات الفنان ووجهة نظره، وهو موقف شارك موقفي واختصر كلماتي الكثيرة في مقالتي.
حائط اللوحة هو العالم ونافذته صلة الوصل بين بلدانه وأقاليمه، هذه النافذة تحطّمت بفعل الكورونا التي أطلقتها أمريكا عبر مختبراتها العسكرية، ومثّلها في الصورة أداة قذف الحصى (رسم أثر الحصاة بالشكل المشاع للفيروس) وهذه الأداة معروفة كوسيلة للصيد وتدعى بالعامّية (نقّيفة) والساحلية (مطّيطه). توضح اللوحة أن صاحب الجرم هو ترامب الذي أخفى الأداة بجيبه وهو يسعى لتجريم الصين التي مثلها في اللوحة رئيسها، وعناصر السخرية في الرسم تتمثل في غباء ترامب الذي كشف أداته دون اكتراث معتقداً إن انفعالاته وتصريحاته تحقق له غايته في إلقاء جريرته على بينغ الذي كشف لعبته وأدار له ظهره، هازئاً بلا مبالاته. تبدي ملامح وجه ترامب تأزمّه وحزنه ووضوح هزيمته عبر علامة شارة فمه وتقعيرها للأسفل، كذلك ضخامة جسده واكتنازه ولصوصيته بالتلازم مع ضيق أقدامه الذي يثبت عدم مقدرته على الحركة، في حين وسّع الفنان مساحة حذاء بينغ للثقة بالمستقبل ويؤكد الأمر اتجاه ثغره الذي أبان التقعر للأعلى (علامة النصر). ومما سبق نجد دور الرمزية في استخدام رسوم الكاريكاتير وهو نقطة تشابك بفن القصّة القصيرة جداً. أخيراً هناك بعد تأويلي في وضعية رئيس الصين لن أتطرق له لإن ما ذكرته كافٍ لتأكيد فكرة المقال وقد تضمن احتمالاً ليس من شأنهِ إسعاد الخواطر؟...

