-->
مجلة دار الـعـرب الثقافية مجلة دار الـعـرب الثقافية
recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...
random

خائن سيوداريا، قصة قصيرة بقلم: أ.خالد العجماوي


#خائن_سيوداريا!  P seudaria_traitor

"لشدَّ مَا أنتِ فاتنةٌ يَا سُيوداريا ! 
لَدَيْك نَهْرَان ينسلّان كَخَمْر تَسْرِي من بَيْن شفتين . وَذَاك الجبلان عِنْد الْمَشْرِق يبدوان كتوأمي ظَبْيَة، يَنْظُرَانِ إِلَى شعبك نَظَرَات هائمة وَمَحَبَّة. وَقَرْص الشَّمْسُ حِينَ يُطُلّ فِي سَمَائِك فَإِنَّمَا يَتَدَثَّر بعباءات مِن سُحِب بِيض ، تُخَفَّف عَنَّا حَرَارَة حَرقهَا، وتبث مِنْ خِلَالِهَا دَفِئا كَي تُسْتَمَدّ مِنْه قُلُوبُنَا حَبَّهَا ولوعتها . كُلَّك جَمِيل يَا سيوداريا وَلَا عَيْبَ فِيك!"
تمتم بها الرجل في خشوع وإكبار، ثم أمسك في قبضته حفنة من التراب، جعلها تنسكب على رأسه كمن يغتسل بصعيد الأجداد. أمسك بكتابه في وجل، وظل يقرأ في إجلال وتوقير. ثم طواه في حب، وهو يتمتم من بين قبلة وضعها على صفحته:
- لن ننساك يا جدنا الكبير ما حيينا. أنت روح هذا العالم يا جدنا "أصلان". 
وضع الكتاب في جيبه، وقد رأى أن الشمس يراودها المغيب، فطفق يعدو راجعا إلى بيته وعلى وجهه سمت الصالحين. 
دلف إلى بيته الصغير فوجد زوجته  وقد تورمت عيناها من أثر الدموع. 
- ماذا دهاك يا امرأة؟
نظر إلى الداخل وأردف محنقا:
- ألا يزال ابنك على ضلاله؟
قالت بصوت متهدج:
- لا تقسُ عليه وحق أصلان. إنما هو فوران الشباب وسيزول يوما.
تركها تغالب دموع حسرتها، ودلف إلى حيث غرفته. ماذا أصابك يا ولد؟ لطالما عذبتني.
وجده يعكف على كتابه في نهم. قال ساخطا:
- ألا زلت تقرأ في ضلالك؟
رفع الولد إليه عينيه. وتمتم في احترام:
- أحاول أن أفهم..
صرخ فيه مغاضبا:
- وماذا تريد أن تفهم فوق ما سردته عليك؟
أجابه وقد بدت عيناه ذابلتين:
- ربما فهمت المعادلة، ولكني بعد لست مقتنعا بها بداهة..
تطاير الشرر من عين الرجل كبركان، وأطبق بيديه على صدر ابنه الهزيل..
- هل تكفر  "بأصلان" ؟ هل تخون "سيوداريا" ؟
لم يبد على ولده أي رغبة في أن يقاوم. أجاب وصوته يتحشرج:
- خيانة العقل أصعب من خيانة جدي!
دفعه الرجل في قوة ليرتطم بالجدار.  صرخ في وجهه:
-  أصلان هو رمز سيوداريا كلها.
أمسكه من كلتا كتفيه، وقال في غضب:
- إيمانك بالمعادلة هو إيمان بسيوداريا. 
بدا على ابنه الإعياء، إثر صوم عن الزاد فرضه على نفسه منذ أيام. تركه يسقط في أرض الغرفة كزهرة ذبلت. قال قبل أن يمضي خارجا:
- أمامك غدا فقط. فإن لم ترجع عن ضلالك سلمتك للقضاة ليروا فيك حكما عادلا. 
صار وحيدا في غرفته.  هو وحفنة من الكتب، وأوراق وأقلام.
لا يزال يذكر أول صفعة تلقاها من أبيه. كان لا يزال في السابعة. كان يسأله:
- واحد زائد واحد كم تساوي؟
يذكر كيف ضحك أبوه ملء شدقيه. أجاب:
- واحد.
- واحد؟
- هكذا قال جدنا أصلان.
- أصلان؟
- جدنا الكبير. ومؤسس سيوداريا.
- ولكني أرى أن واحد زائد واحد يساوي اثنان!
- ليس للعقل سبيل في مناحي الإيمان.
- ولكنها أرقام. والأرقام عقل.
يذكر كيف كان أبوه حاسما وهو يقول:
- إيماننا أجل من الأرقام. وأهم من أي عقل.
قال :
- أرى أن العقل أجل وأهم.
ارتطمت كف الرجل بصدغه إثر لطمة كادت أن تخرق رأسه. قال:
- هذه كي تعرف أن سيوداريا وأصلان أهم من عقلك.
منذ ذلك الحين و الولد يؤثر الصمت.
كان قد قرأ في سيرة الجد أصلان أنه كان تلميذا يوما في مدارس الأثينيين،  سألوه عن المعادلة، أجاب أن حلها هو الرقم واحد. حاولوا إثناءه. قاوم. أرادوا إقناعه. كان إيمانه كالصخر لا يتزعزع. عدوه مجنونا.  غير أنه استطاع أن يهجر  أثينا. وذهب ليقيم أرض سيوداريا. أرضنا المقدسة المهيبة..
******
- إليكم ابني الوحيد أيها القضاة. فلتحكموا عليه بما ترونه عدلا.
- نفقأ عينه. 
- واحدة، أم الاثنتين؟
- واحدة، فإن لم يرجع فقأنا الأخرى. 
علت صيحات الاستحسان. 
-مهلا..
قال الولد:
- إن فقأتم عيني الأولى فكم عينا فقأتم؟
- واحدة..
فإن فقأتم الأخرى؟
تنهد القاضي في الأخير. وزفر طويلا، ثم قال في حسم:
- لا فائدة. اقتلوه.

عن محرر المقال

م.زينب الأسدي

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مجلة دار العرب نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد االمقالات أول ً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

مجلة دار الـعـرب الثقافية

مجلة عراقية . ثقافية . أدبية

احصاءات المجلة

جميع الحقوق محفوظة لمجلة دار العرب الثقافية - تطوير مؤسسة إربد للخدمات التقنية 00962788311431

مجلة دار الـعـرب الثقافية