اللغة واللغة الشعرية
كتب : أ . طالب الدراجي
قد يرى المثقف العربي أن محاولة احياء التراث اللغوي العربي عبر الشِعر ما هو الا اعتداد بالتراث الأدبي ومحاولة بعثه من جديد ليكون رابطا قويا يصل الحاضر العربي المتوثب بأصوله الأولى ، حيث يرى الكثير من شعراء القريض أن وصل عصرهم الذي شحذت فيه العزائم ونشطت فيه الهمم بتلك العصور القوية ، إذ يرون أن المجد الجديد لا يبتنى على أساس الا من المجد المؤثل القديم ، وأن جنس الشعر العمودي لا انفصام بين أجياله وأن تباعدت بينهم الأزمان ، وأن تعددت المواطن واختلفت البيئات . ومن الذين ساهموا في احياء التراث الأدبي الشعري العربي هم الفرزدق وذو الرمة ، حتى قيل أن الفرزدق أحيا ثلث لغة العرب القدامى في شعره ، وكذلك فعل أبو تمام والمعري ، إذ تجاوزوا جزالة الألفاظ وفحولتها ورصانة التراكيب وفخامتها ، فعمدوا الى ما هو غريب في كتب اللغة ومعاجمها ومما قرأوه في دواوين الجفاة في عصور البداوة ، بغية التشبه بالسلف واقتفاء اثارهم لأظهار الحسن المقبول في أذواق الحضارة أننا إذ ننظر في ذلك الجيل وتجاربه وما يسوغه من ألفاظ خشنة غريبة وحشية قد تستعصي على جيلنا وتطوره ، حيث وقف الجيل الحديث اليوم على السلس الرقيق من عيون الشِعر والنثر وما فيه من عذوبة ساحرة تأخذ رقتها بمجامع القلوب . وبالرغم من استيلاء العجمة على على جيلنا الا أن فكرة تبعيث التراث صعبة ولا يمكن قبولها بسهولة لما طرأ على اللغة من تغريب سببه العامل السياسي بالدرجة الاساس، أن هذا الأمر من وجهة نظري تطرف لا داعي له ، ان لغتنا العربية استطاعت أن تؤدي المعاني والتعبير عن المقاصد والأغراض، وأثبتت قدرتها وأصالتها واقتدارها على مجاراة الزمن والنهوض بأدوات التعبير التي لا تنقضي ، سواء على مستوى الشِعر العمودي أو على مستوى النثر . اللغة العربية ما زالت تؤدي وظائفها وعلى الكاتب أن يتفنن في الكتابة لا أن يتطرف في نزعته الشخصية تجاه اللغة باعتبارها هوية السلف وما شابه ذلك ، أن الارث في كل شعوب العالم له بيئته وظروفه ومناخه الخاص ولا يمكن أن نكتب تبعا لذلك الجيل ونحن في ظروف وبيئة ومناخ مختلف تماما في كل الأحوال !!. لذلك وكما قدم السلف للغتنا بعض المفردات التي أطلقوها من عندياتهم باعتبارها لفظات عن أشياء لها أكثر من مسمّى وطالما أن اللغة العربية مستمرة بالتطور على مر الأزمان فما الذي يمنع أجيالنا من ابتداع مفرداتها الخاصة طالما لا تخرق قواعد اللغة ورياضياتها ، لماذا يضعنا البعض أمام قواعد مقدسة يُحرّم تجاوزها !! مثلا اللغة العامية لم تكن الا وليدة الفصحى وسوف تلد ثقافة مشتركة بينهما، لأن اللغة العربية الفصحى لم تكن في يوما ما لهجوية لأي قبيلة من قبائل العرب بل تطورت حت وصلت الى ما هي عليه عند القريشيين ، فهي اللغة المتعالية حتى داخل قريش لم تكن الفصحى خالصة نقية من دون لهجات تناسلت فيها . أي بمعنى أن لغة الشِعر أنذاك لم تكن لغتهم اليومية ، كما نحن اليوم ، بمعنى آخر أن اللغة الفصحى هي لغتهم اليومية وليس لغة الشِعر ، فلم يكن القريشيون يتحدثون برياضيات الوزن والقافية في حواراتهم ومجالسهم اليومية الا فيما يتعلق بالشِعر والخطابة والارتجال .

