-->
مجلة دار الـعـرب الثقافية مجلة دار الـعـرب الثقافية
recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...
random

ورق الحائط الأصفر ... ترجمة بتصرف : أ . خالد العجماوي

ورق الحائط الأصفر
ترجمة بتصرف : أ . خالد العجماوي 


قصة للكاتبة الأمريكية/ شارلوت بيركنز جيلمان (١٨٦٠-١٩٣٥)
كاتبة أمريكية من القرن التاسع عشر وأوائل العشرين. عرفت بكتاباتها  في مجال الأدب النسوي من قصص وأشعار جعلتها لأجل قضايا المرأة في تلك الفترة. 
كانت قد كتبت قصة "ورق الجدار الأصفر" وهي تمر باضطرابات عقلية إثر ما بعد الولادة postpartum psychosis.



كيف استطعت أن تستأجر لنا مثل هذا النُزُل الفخيم يا "جون"؟  كيف ظل هذا البهو الكبير، وهذه الغرف الواسعة دون ساكن كل هذه المدة؟ قصر كهذا يساوي الكثير من المال ربما، كما أنه يحتاج منك إلى حظ وفير دون شك.  
أراك تنظر إلي وتسخر مني. لطالما لمحتك تنظر إليّ وأنت تضحك. كأنك تراني دعابة، أو ربما خرافة!
أيها الطبيب الحاذق "جون". أنت لاتؤمن إلا بما تمسكه يداك، وتراه عيناك، لذلك يا عزيزي، أنت لا تؤمن بي! أنا لست بخير، وأنت لا تصدقني. ألأنك طبيب ربما؟! لو لم تكن طبيباً يا زوجي العزيز لربما كانت قد تحسنت حالتي!
تردد دوما أنني على مايرام، وأنني لا أعاني غير عصبية زائدة، وبعض من توتر. حتى أخي يقول مثل هذا الكلام. 
أتناول العقاقير، وأمتنع عن العمل، والتنزه، وعن أن أشم الهواء الطلق الذي يجول خارج الجدران. رغم أني أرى أني أحتاج إلى التغيير في حياتي الكئيبة هذه. التغيير الذي سيمنحني بعضا من المتعة التي أحتاجها.
أمارس الكتابة خلسة؛ إذ أنها تمنحني المتعة التي ذكرت. أتخيل لو أن لدي أصدقاء أقابلهم، وعملا أقوم به، وأتخيل لو كان جون يصدقني، ولو أنه يحب ما أكتب! بيد أنه يقول لا داعي لكي نستسلم لخيالاتنا، وإن واقعنا هو الملاذ الحقيقي في الحياة. سأفعل إذن وأترك الكلام عن خيالي الظاميء إلى متعة لا يراها إلا في الأحلام. ولأتكلم عن هذا النزل الفخيم.
يبدو أنها كانت حديقة غناء، بأشجار  وارفة و جفنات عنب  تتدلى كالثريا، والتي تفرد ظلها على الأرض الشاسعة. أقول كانت،  بيد أنها صارت اليوم مكانا قفرا، قد تكسرت أشجاره فبدت كأشباح ممددة على أرض ميت! 
أذكر أني ذكرت كلمة أشباح تلك لجون ذات مساء، فبدا عليه الانزعاج، و قفل الشباك، وقال إنني أهذي. يغضبني كثيرا ذاك الرجل. يقول إنني صرت حساسة لكل كلمة، وأنني أحتاج للعقاقير كي تساعدني. أتناولها لأجلك يا جون،  بيد أني أشعر وكأنها تأخذ طاقتي وروحي.
يحبني جون كثيرا. يهتم بي. طلبت منه أن نجعل غرفتنا في الطابق السفلي من هذا القصر. قلتُ إن ثمة غرفة أجمل، حيث أن بها شباك تزينه الورود، ويطل على الحديقة. لكنه رأى أن الغرفة لا تلائمنا أبدا؛ إذ أن بها شباك واحد، كما أنها صغيرة ولا تكفي شخصين. أعرف أنه يحبني، وأنه يكاد يوجه حياتي كلها لأجل مصلحتي. لقد استأجر هذا القصر لي -هكذا يؤكد- حتى أنال قسطي من الراحة والهواء الطلق! لذلك فإن جون قد فضل غرفة الطابق العلوي.
كبيرة هي غرفتي. تدخلها الشمس وتزورها النسمات الصباحية. تبدو لي كأنها كانت غرفة أطفال. نعم حيث أن الشباك قد زينته قضبانٌ حديديةٌ عريضة كي تمنع مرور رؤوسهم الصغيرة. كما أن الحائط تزينه صورٌ للُعبٍ وأجراس. 
يهيج لي هذا الحائط أعصابي!
كأن ثمة يد طفل شيطان قد امتدت إليه، فمزقت فيه دون هوادة أو رحمة. يفقدني هذا الحائط التركيز. حيث تملؤه تلك الفراغات والبقع. ثمة فراغ فوق رأس السرير، كما أن ثمة بقعة كبيرة كالفم الفارغ على جانب الحائط المقابل. حائط كريه!  كأن الخطوط المتعرجة فيه تنساب حينا، حتى إذا ما وجدت نفسها أمام رقعة من فراغ غرقت، وتلاشت، وكأنها تنتحر! اللون الأصفر للجدار كئيب. حتى كأنه حين يخالطه شعاع الشمس من الشباك صار حمضا من الكبريت. لا بد أن الأطفال قبلي قد كرهوا ذلك اللون في الجدار،  فامتدت أياديهم عليه كي تحاول أن تنال من كآبته.
أكره هذا الجدار،  وأكره هذه الغرفة، وسأكره نفسي إن عشت  فيها طويلا!
مهلا. ها قد جاء جون أخيرا. سأتوقف الآن إذ أنه لا يحب أن يراني أكتب. ربما أخبيء هذه السطور في مكان ما، علني أرجع إليها في وقت قريب.

#يتبع.

عن محرر المقال

aarb313@gmail.com

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مجلة دار العرب نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد االمقالات أول ً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

مجلة دار الـعـرب الثقافية

مجلة عراقية . ثقافية . أدبية

احصاءات المجلة

جميع الحقوق محفوظة لمجلة دار العرب الثقافية - تطوير مؤسسة إربد للخدمات التقنية 00962788311431

مجلة دار الـعـرب الثقافية