سباقُ القطط
كتب : أ . إبراهيم الأعاجيبي / النجف
ذات يوم اجتمعت مجموعةٍ من القططِ, اتفقوا أن يقيموا مسابقة في الركضِ, وحددوا جائزة لهذا السباق, كانت القطط مختلفةِ الأنواع, ومن مواطن عدةِ, فجأة اقبل عليهم أحد القطط وكان هزيلاً, نحيلاً, متعباً, علامات الجوع والعطش بادية عليه, نظروا إليه باحتقارٍ وأخذوا يستهزؤون به, أدخلوه في السباق لكي يجعلون منه أضحوكة يهزؤون بها, بدأ السباق فإذا بهم يرون هذا القط قد سبقهم جميعاً, ذُهلوا مما رأوا وقرروا أن يُعاد السباق مرةً أخرى, وكانت النتيجة صادمة لهم أيضاً, إذ أن القطط الهزيل قد سبقهم بمسافة أطول من المسافة التي سبقهم بها في المحاولة الأولى, أعادوا التجربة مرة ثالثة فإذا بهم ينصدمون من الفارق الكبير الذي سبقهم هذا القط, أقبلوا إليه بأجمعهم ليسألوه عن السرِ, فأخبرهم بأنه لم يكن هراً بل نمراً ولكن صاحبه قد جعل منه قط لأنه كان لا يطعمه ولا يبذل له أقل مما يستحق لكي يعيش مفعماً وقوياً.
يقول الشاعر:
كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ
والماء فوق ظهورها محمولُ
تتسابق القوى السياسية فيما بينها لإنتخاب رئيس الحكومة, هذا التسابق جرى بنظامٍ محاصصاتي, يا ليت هذا التنافس يجري لخدمةِ أبناء الوطن, بل هو نزاع لتقسيم ميزان القوى والسيطرة في قلب الدولة, أيعقل أن يجوع المرء بعراق اليوم! قد يتعجب أحدهم بأن بلداً بهذه الخيرات والنعم وما زالت شريحة كبرى من أبناءه تعيش دون خط الفقر, هذا السباق الذي يجري للقوى التي تقود دفة المركب قد أثر في عملية النمو والبناء التي من شأنها أن ترفع البلد وتنمي اقتصاده, فكيف ينهض البلد بظل حالة من السوداوية التي تسود المشهد, هذه الحالة يجب أن تزول لأنها نخرت بقلب البلد وأردته, والسباق النزيه يجب أن يكون في التنافس على المصلحة العامة للجميع بما في ذلك أنفسهم, إن الأدهى أن يكون المتسابقون من خارج البلد ! وتلك لعمري مصيبةٌ, العملية المتبعة في رسم الخارطة هي السبب الرئيسي بما وصلت إليه حالة البلد, الآلية المتبعة قد عانى وسيعاني منها المواطن, ستبقى الأزمة ماثلة لتتحول إلى متراكمة لتكون بعدها مزمنة قاسية إن لم ينأى أولئك الذين يقودون العملية السياسية, الأمور متجه إلى التعقيد اكثر ما دام مسببُ الأزمة ذاته الذي ينظر لحلها؟ سيبق القط جائعاً إذا كان صاحبه لا يعطي حقوقه الكاملة, وسيبقى القط هزيلاً, نحيلاً إن لم يجد نفسه يتنعم بخيرات بيته وأرضه, وجب على أصحاب الحل والعقد أن يعترفوا بفشلهم الذريع والواضح جراء سياساتهم الخاطئة التي يمارسونها بإملاءٍ خارجيٍ يُملا عليهم, لا بد أن يُشارك برسم خارطة العمل أبناء الضيم والأسى والفقر ليعيشوا الألم وينهضوا من رحم معاناتهم التي عايشوها سنين طويلة, قد يستمر الكفر طويلاً ولكن الجوع قد يتحول إلى قنبلةٍ موقوتة تنفجر على حين غرة, إن زعامة العملية لن تستمر كثيراً, ومن الحقيقة البديهية أن هذا الكرسي لا يعرف الاستقرار والسكينة, فهو في حالة تقلب ودوران مستمرو ولا يلتصق بأحد, متى سيدرك ذلك سياسيو الصدفة الذين أتى بهم الحظ العاثر, أيدركون أنهم ورقة قد احترقت ولم يبقَ منها إلاّ أن تُنثر في الرمادِ, لا بد أن تشرقَ شمسٌ جديدة على أرضٍ دنسها أولئك القادمون الجدد, و لا بد أن يتنفس المنكوب قليلاً من الأمل ليعيش بفسحةٍ من العيشِ السعيد الرغيد .

