حب الوطن .. بقلم / رعد دواي الطائي
تعلمت وانا تلميذ صغير، إن حب الوطن من الايمان، وأنشدت له مع من أنشد في مدرستي وبقية المدارس، ابتداء من رياض الأطفال الى اخر صف في الإعدادية. أنشدت له وأنا أقف امام علمه الذي كان يرفع كل يوم خميس، ليخفق فوق ساريته. وسط زخات الرصاص ( الخلب ) والتي كان يطلقها (الرفاق). أنشدت له ك( الببغاء ) كلمات، لم أكن أعرف حتى معانيها، مثلي مثل بقية التلاميذ. كانت الكلمات تتغنى ب( الوطن ) و( القائد ). فنحن جنود مخلصين لهما. حيث لا فرق بين الاثنين؟ فاذا قال ( القائد ) قال ( الوطن ). وبالتأكيد أن ( الوطن ) لا يمكن أن يقول شيئا بوجود ( القائد )؟ فقد أمتزجا في بوتقة واحدة، حتى ما عدنا نعرف عن أيهم نغني وننشد، وعن أيهم نقاتل وندافع. هكذا عشنا... وهكذا قضينا زهرة شبابنا في خدمة عنوانين ومفاهيم أختلطت علينا حتى أصبحت( ممجوجة )من كثرة ترديدها والقيام بواجبها والسهرعلى خدمتها، بل والتضحية بمئات الالاف من ( القتلى والشهداء ) للحفاظ عليها.إن مهمة الحكومات في عالمنا العربي والإسلامي كانت وما زالت هي أن تقدم ل( مواطنيها ) وجبة يومية سخية من الشعارات الفارغة والاهداف ( النبيلة ) كواجبات يجب عليهم أن يؤدوها من دون سؤال او مناقشة. وذلك الغذاء الدسم ب( الوطنيات ) يعطى بجرعات مختلفة بحسب الفئات والاعمار، عن طريق الأناشيد الحماسية والشعارات البراقة والخطابات الرنانة، من خلال المدراس والجامعات والجوامع والصوامع والكنائس ووسائل الاعلام المختلفة، المقرؤة والمسموعة والمرئية...الخ... كلها تحثك على أداء واجباتك تجاه ( الوطن والقائد ). ولكنك نادرا ما تسمع أحدا ممن هم في أعلى الهرم، يذكر أو حتى يتذكر أن لهذا المواطن المسكين حقوقا يجب ان تعطى، وكرامة يجب ان تحفظ، ورقما يجب يعتد به ويحسب له، قبل ان يحاسب عليه. فحقوقك أيها السيد المواطن ومتطلباتك وحاجاتك كإنسان، هي لا قيمة لها في نظر ولاة الأمر، وعليك أن تحذر وانت تفكر فيها فضلا عن أن تطالب بها هكذا عشنا وتربينا وشاب صغيرنا وهرم كبيرنا على تمجيد ثنائية( القائد والوطن ) والتي قابلها عقودا من سنوات الضياع، ضياع( المواطن ) وكل حقوقه الإنسانية والطبيعية، والتي هي من أبسط الحقوق الواجب توفيرها له من قبل الدولة والقائمين عليها من ولاة الامر. وكان من نتائج هذا الأمر هو التدهور في كل مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية والتعليمية والاجتماعية... والتي مازلنا حتى هذه اللحظة نعاني من تبعاتها ومخلفاتها. ولعل خير شاهد ودليل يمكن أن نسوقه في هذا الشأن، هو ما حصل بعد سقوط النظام السابق و(صنمه) في العراق، من عمليات السلب والنهب التي طالت أغلب مؤسسات الدولة العراقية، فيما عرف ب( الحواسم ) والذي أصبح مادة لوسائل الاعلام، والفترات طويلة، حيث لم يستطع الكثير من المواطنين الذين فعلوا هذه( المثلبة ) أن يميزوا او يفرقوا بين هذين المصطلحين ( القائد والوطن )حيث تم اختزال كل مقومات الوطن والدولة بشخص( القائد الضرورة ) وكأنما أرادوا هؤلاء الذين فعلوا مافعلوا... أرجاع بعض ما سلب من حقوقهم المهدورة والمسلوبة طوال عقود من الزمن. إن من الخليق بالعقلاء من الحكام أن يسألوا أنفسهم: ما قيمة القوانين والأناشيد والشعارات التي تدعي أن للمواطن حقوقا وعليه واجبات، وأنه قيمة عليا... وحرمة هي اكبر من( حرمة البيت الحرام ) كما ورد في الحديث الشريف، أقول ما قيمة ذلك أن لم يعمل بها على ارض الواقع، بدل أن تبقى حبيسة التنظيرات اللفظية التي جاء بها السادة الكرام من السياسيين وولاة الامر( الجدد ). أيمكن أن يظن أو يعتقد أحد أن ذلك يكفي في زرع وغرس الإيمان ب( الوطن ) وما يتبعه من واجبات المسؤولية الملقات على المواطن... ابتداء من الحب وانتهاء بالتضحية بالغالي والنفيس في سبيله. اليس من الواجب أن نبدء قبل كل شي في إعطاء المواطن بعض من حقوقه الدستورية والقانونية والشرعية والإنسانية، في المسكن والمأكل والتعليم والصحة... والخ... وبما يمكن ان يحفظ له ماء وجه الذي طالما أريق، أو ليس إعادة الكرامة والشخصية والهيبة ( للفقير ) العراقي، ماديا ومعنويا، والتي طالما سلبت منه على أيدي الطغاة وأنظمتهم القمعية، أولى من بقاء الأموال والثروات مقصورة ومحصورة بين يدي طبقة جديدة، نشأة وظهرت بعد سقوط الدكتاتور من السياسيين، والذين هم في اعلى الهرم؟. أما أن الأوان أن يشعر اولو الأمر، القاطنين في قصورهم( الخضراء ) بالذين يسكنون في مخيمات الهجرة القسرية، نتيجة الإرهاب الاعمى، وكذلك ساكني العشوائيات الخربة، أما أن الأوان أن يعطى الإنسان العراقي حقه من خيراته وثرواته، والتي أصبحت لقمة سائغة، لكل من هب ودب ب( فساد ) لم يعرف التاريخ له نظير. هل يمكن أن يأتي اليوم الذي يشعر فيه المواطن العراقي في أقصى شماله أو جنوبه، وهو يؤدي أو يخدم في عمله أو وظيفته المدنية أوالعسكرية، إنه يؤدي واجبا مقدسا، وعليه أن يراعي فيه الله وخدمة الوطن و( الوطنية ) قبل أن يفكر بالراتب والمال الذي يحصل عليه بطريقة شرعية أو غير شرعية. إن على حكومتنا أن تبدء من الأن التفكير بجدية بإعطاء الحقوق _كل الحقوق_ للمواطن العراقي، قبل أن تطالبه بالواجبات، وأن تعلم الناس وتشعرهم أن( الوطن ) هو ملك لهم وليس فقط لحكوماتهم وحكامهم، بالقول والفعل... وليس بالشعارات والقلقة اللسان. وإن هذا ( النفط الأسود ) والذي طالما كان السبب في مأسي هذا البلد وأهله، سيكون وارده وخيره من نصيبهم، بالحق والعدل والمساواة. يتمتعون به، شأنهم شأن غيرهم من عباد الله في الدول التي من الله به عليهم. لا لحفنة من السياسيين وأتباعهم وأحزابهم، ومن يرضون عنه فقط. أن عليكم ياقادة العراق أن تقولوا وتشعروا التلميذ الذي ينشد الان في المدرسة( للوطن والمواطن ) أن كلماته ليست للإستهلاك والضحك على الذقون، لإن هذا التلميذ سيأتيه اليوم الذي سيكبر، وسيخرج الى أرض الواقع( المرير ) والمتناقض رأسا على عقب، مع ماتعلمه وأنشد له في المدرسة. سيجد( وطن ) غير معني ببنيه وبحبهم، مما سيجعله يشعر بأن حبه لوطنه قد اهتز بين جوانحه، مع ما يترتب على ذلك من عواقب ومصائب. إن من حق المواطن أن يجد عملا بعد سنوات الدراسة الطويلة وتخرجه من الجامعات والمعاهد، ومن حقه أن يتزوج في بيت يليق به كإنسان أولا وكعراقي يملك الثروة ثانيا، ومن حقه أن يملك المال، لكي يبذله في تحسين حاله وعياله ومعيشته، ومن حقه أن يذهب أذا مرض الى أفضل الأطباء والمشافي، ومن حقه أيضا أخيرا وليس آخرا أن ينام في فصل الصيف القائض، تحت هواء أجهزة كهربائية، اخترعت ووجدت لخدمة الانسان وليس لتعذيبه؟. أيها الساسة( إن الفقر في الوطن غربة، وإن الغنى في الغربة وطن).
اللهم أشهد أني قد بلغت.
