جفاف معنوي .. بقلم / ماجد جاغوب
ليست الأشجار وحدها هي التي تجف تدريجيًا، بل البشر بعد بلوغهم عمرًا معينًا ووصولهم إلى مرحلة الاخضرار القصوى تبدأ الأوراق في الاصفرار والتناقص حتى تجف الشجرة وتموت من جذورها، وعدم تجدد الأوراق يعني البدء في العد التنازلي والمشاعر تجف لعدم الاستخدام وعندما يكون الأبناء «دزينة» أو حولها لا وقت لدى الأب والأم للاهتمام بالجميع، فبعد الفطام والقدرة على المشي يتم تفويض الأكبر سنًا بإكمال مهمة العناية المباشرة لأن هناك مولودًا جديدًا في حاجة للاهتمام، فلا أحد من الأبوين متفرغ له وإذا نجا من عقوبة الأبوين فربما يلاقي عقوبات من أشقائه أو أقاربه أو زملائه الأكبر سنًا، وبعد أن يشتد عوده ربما لا يجد من هو في حاجة له أو لمشاعره، فتجف المشاعر كالعرجون القديم حسب قانون الإهمال والاستعمال، وتتحول المشاعر إلى مخزون مجفف والدماغ لا يتعب نفسه بالتفكير في المشاعر، فالحياة بأكملها بلا أي هدف ولا أمل، وليست بذات قيمة في نظره وهذه حال الآباء والأمهات بعد انشغال البنات بأزواجهن والأبناء بزوجاتهم، وهناك من لا يمر بهذه الدورة لأن دورة حياته منقوصة، وإن لم يكن ثور الحرث ابن بقرتك وحراثك ابنك، فلا تحلم بحصاد وفير، وهناك من يفتقد حضن الأم ورعاية الأب، ولا يجد البديل ولا يوجد من هو في حاجة إلى حضنه فيكون ميتًا من أعماقه، ومشاعره ميته سريريًا قبل الموت البيولوجي وإعلان شهادة الوفاة الزمنية المؤرخة، والحياة ليست باختيارنا وعلينا أن نحياها كما هي، وهناك أمور في يد الأقدار وليست من اختيار الإنسان.
