سأعود يوما لأحمل وطني على رأسي
متباهية حينما يخرج من نعشه و سنبقى نكتب
الفنان .... متوجع
دائما ويفتش عن ذاته بين ركام بواطنه ولا يجدها حتى بموته
متابعة – قصي الفضلي
في كل يوم تخلع
الغربة ,لترتدي المسافات تفصيلا بكل خطوط الحدود وتعرجاتها وتعتلي كعبا تغرزه في
هضاب الغياب وتسرع الخطى مع انفاسها تطاوح آمالها الجامحة لتعبر الصمت وتدخل مع
زحمة المرور المكتظ بالمغتربين الى شوارع بغداد تصعد في عربة مطهمة بالخيال لتنزل
في شارعي المنصور و "14 " رمضان حيث ترعرعت تتمشى مع صديقات الطفولة
والصبا تطرق الأبواب على الجيران وتتبادل واياهم صحون مليئة بالذكريات كما كانت
والدتها تتبادل وامهاتهم ما تطيب له نكهة القلب .
ورغم ان اغلبهم انتشروا مع رياح
الغربة ليحطوا على كل رمال العالم الا انها تجتمع كل يوم لتأخذ جولة في بغداد
تسبقها حقائبها المشحونة بالهموم وتقول : مازال في الفؤاد بقية منهم تعاني الغربة في
الوطن
هي :
تشحن جوالها دوما بطاقة عاطفية لتتحدث معهم , وتصوغ لهم قلائد الكلمات
الذهبية ، يبادلونها المحبة بأطقم جملٍ تزينها الاسرار الكريمة التي كانت تجمعهم .
هي :
مازالت رائحة
الخبز الحجري تزكم انفها برغم انها عملة الفقراء والاغنياء المتداولة بين افواه كل الشعب
بكل طبقاته واطيافه لا تعرف الطبقية ولا العنصرية ولا الطائفية فهي عملة الجوع
الصعبة التي تخزنها كل البنوك دون فوائد تضاف عليها .
هي تقول :
ما بين محطة
وأخرى كنت ارنو من نافذة الخوف لمستقبل القطار كنت اخشى من سكة معطوبة رغم يقيني
من مهارة القدر في قيادة الأمور وحكمته في توجيه السكة نحو مسار مستقيم الا ان تلك
الهواجس هي التي خلقت مدني التي توقفت عندها المحطات كان للطفولة امال عريضة
وللمراهقة كوابيس حتى أكملت اللوحة اكاديميا لأجد الغربة تؤطرها لتكون خالدة في
متحف الذكريات .
هي :
عشقت الرسم
والكتابة منذ نعومة خواطرها و كانت خيالاتها تنمو داخل كتاب ركنته على رف الذكرى
لتفتحه في الغربة فوجدت الخطوط مازالت غضة ، طفلة تعشق الألوان ومدن الملاهي اما
الكتابة ففاجأتها بأنها بلغت سن النضج وراحت تملي عليها اوامرها تنفذ ها.
هي :
رسمت كل المحطات
على الزمن ونزلت في كل محطة ضيفة على بيوت الشعر وكان استقبالها بحفاوة يسبق الوان
المحطات حتى انها رسمت القصائد على جدران لوحاتها و ما زلت تستلهم اللون والفكرة من
النزلاء معها من بنات افكارها ، ومع تجوالها في مدن أوروبية تفتح قريحة الكلمة واللون
مثل " بريطانيا اليرلندا اسبانيا فرنسا روما بلجيكا المانيا لوكسمبورغ النمسا
براغ تركيا " والكثير من البلدان العربية
وجدت الكون يجتمع في أصابع فنان .
وتقول :
الفنان متوجع
دائما يفتش عن ذاته بين ركام بواطنه ولا يجدها حتى بموته ولهذا لم يعد اللون
يكفيني لأعبر به شطآن تجرفني بموج الخطوط لعمق الروح فخرجت من اللوحة بعد ان وظفت
فيها اكثر من عامل تكنيك و مجموعة خامات وبضعة افراد من " الكولاج " لأؤسس
شركة مساهمة في معارض شخصية وجماعية نلت اثناءها مرتين الجائزة الاولى وكانت
احداهما على عموم هولندا وبإشراف وتقديم البرلمان ووجدت نفسي اعبر تضاريس اللوحات
بجسور التعبير عن المستقبل لأطير وانا كنت دوما دجاجة بجناحين لا يقويان الا على
القفزات وجدتني بقرار ذاتي اتحول الى حمامة خصوصا وانني احمل في داخلي السلام
وانطلقت اجمع كتاباتي وانا ما زلت بعد في سن القصص اللبنية اسقطتها وتعلمت كيف
اقضم لأجد نفسي في رواية اتمنى ان تخلد اسمي في المكتبات كأسنان دائمية .
ما زلت حينما
ادخل مخدع رسوماتي انام على " الكانفاس " ساعات اتوسد احلامي الملونة
واتشكل معها في مجرة تتحرك على فضاء اللوحة
وما زلت حينما
يداهمني حرس الكتابة اصحو مرغمة من سجني واتمرن على حمل اثقال نصوصي وحين اتعب
اتناول شيئا من المطالعة لأسد جوعي واروي ظمأي .
وما زلت ارحل كل يوم مع منشور وخبر وفديو وصورة
وخيال وصديق وتليفون واهل الى العراق وكل زاوية فيه عتبة مقدسة عندي انه في عرين
روحي ازأر كلما تجاوز عليه احد وافترس من يطاله ولو بكلمة ولأنني انام في حضن
الوطن كل يوم فقد انجبت منه خيالا محاربا.
وتضيف قائلة :
الشاعر المغترب
انسان موجوع يتحسس تفاصيل الألم اكثر من غيره لأنها حبره الذي يكتب به فهو يكتب
بقلم الكحل عن المرأة وبقلم الرصاص عن الحرب وبالقلم الجاف عن نفسه وبالفرشاة عن
الطبيعة الشاعر لا يعرف الكتابة بقلم واحد وكل فنان هو شاعر بالفطرة حتى وان لم
ينظم القصائد .
وتؤكد :
انا امرأة شرقية ,
والمرأة الشرقية ولدتها الصعوبات فهي تعاني من شظف العاطفة أولا وفقر التعبير ثانيا
فالعيب والحرام جلباب وفوطة تتحجب بهما مرغمة ,وحتى لو كان شعرها يلعب مع الهواء فلسانها
لا يمكن ان يمشي سافرا لان الكثير من الكلمات قبل ان تخرج تقطع رقابها بسيف الخجل
او الخوف ,كلاهما جلاد يقف على بوابة الفم وانا دوما أقول انهما منكر ونكير يستجوبانها
واللسان قبر تنام فيه الكثير والكثير من الكلمات .
وختمت ضيفتنا :
انا دوما ارسم
المرأة لأنها الوطن هنالك علاقة وطيدة بين الخيال والعقل والاحساس ثم اخرها اليد
قبل الفرشاة فكل حاسة في الجسد تقبض عليها الأصابع لتكون في كف قوي , وقبضة من
شعيرات تجسد حقائق دفينة على قطعة قماش وكأنها تخيط العالم بأبرة من لون فالعلاقة
بيننا ليست ترجمة , انها خياطة بالشرايين ,والدم هو حبر الفنان الملون .
سأعود يوما لأحمل
وطني على راسي متباهية حينما يخرج من نعشه ويقوم الشعب كله بتنفس صناعي وزراعي
وتكنولوجي له , فمازال العراق ارض خصبة لزراعة القبور ولكن الحبر مصل لتعقيم
الأوطان ولهذا سنبقى نكتب .
