القاص السعودي حسين السنونه ، بوح قصصي ممتع [ بأ قنعة من لحم ] سرد يحاكي جملة من القضايا التي تدور حولنا ../بقلم حسين داخل الفضلي [ مجلة دار العرب للثقافة والفنون /العراق /
بقلم الاعلامي
حسين داخل الفضلي
مجلة دار العرب للثقافة والفنون
-----------------------------
بودنا ان اقدم عرض مختصر جدا عن مجموعة قصصية للاديب في المملكة العربية السعودية الشقيقة الاستاذ حسين السنونه بما جادت به قريحته ورؤاه القصصي الخيالي المنتع [ اقنعة من لحم ] حيث تقوم مجموعة القاص الاستاذ حسين السنونه على قصص قصيرة مكثفة، تعتمد على الإيحاء أكثر من السرد المباشر، وتفتح النصوص على أفق تأويلي يتجاوز سطح الحكاية إلى عمق الرمز والدلالة. العنوان الجامع «أقنعة من لحم» يحيل منذ البداية إلى ثيمة مركزية: تعدد وجوه الإنسان المعاصر وتناقضاته، حيث تتقاطع الأقنعة باللحم، في مفارقة تجمع بين الزيف والحقيقة، وبين الظاهر المموّه والباطن المتألم.
تتسم لغة السنونة بالاختزال والاقتصاد في العبارة، بما يجعل القصة القصيرة أقرب إلى ومضة مشحونة بطاقة دلالية.
غالبية القصص لا تُقرأ على أنها حكايات يومية فحسب، بل كرموز وجودية/اجتماعية. فـ «ملك الموت لا يتكلم العربية» ليست مجرد مفارقة لغوية، بل إشارة إلى اغتراب الإنسان عن ذاته ولغته وثقافته.
هناك هاجس واضح بالإنسان المهمش، المتألم، الجائع، أو الذي يفتقد العناق والأمان. كل قصة تبدو محاولة للإمساك بجانب من هشاشة الوجود الإنساني.
يوظف السنونة الحوار الداخلي، السرد المقتضب، والانتقالات المفاجئة بين الواقع والخيال. وهذا يتجلى في قصص مثل «ترانيم مواطن لا يتحرك» و*«يأكلون الهواء»*.
«أقنعة من لحم»: نص مفتاح، يكشف زيف العلاقات البشرية، حيث يتحول الجسد نفسه إلى قناع، في انكسار للثقة بين الداخل والخارج.
«ملك الموت لا يتكلم العربية»: قصة ساخرة/مأساوية تضع القارئ أمام مفارقة موت بلا لغة، أو غربة حتى في لحظة النهاية.
«اشتاق للعناق فاستيقظ»: قصّة قصيرة جداً، لكنها تُلخّص مأساة الاغتراب العاطفي والحرمان الإنساني في زمن الجفاء.
«مجرد رسالة من عجوز»: هنا يلمس السنونة وجع الشيخوخة، حيث الرسالة ليست مجرد خطاب، بل صرخة وجودية ضد النسيان والتهميش.
«إنها الجوع»: تتجسد ثيمة الجوع، لا بوصفه حاجة مادية فحسب، بل رمزاً إلى العوز الروحي والاجتماعي.
«اتصال مائي»: نص شاعري التكوين، يعكس رغبة في التطهير والانسياب، حيث الماء يصبح رمزاً للحياة وللتواصل المنشود.
«فلس ـ طين»: لعبة لغوية ودلالية، تختصر علاقة الإنسان بالمادة والتراب، وبالاقتصاد والحاجة في آنٍ معاً.
«كوري في تاروت»: تحضر الذاكرة المكانية/التاريخية، ويكشف النص عن جدلية الانتماء والهامش، عبر شخصية الكوري الغريب.
«آخرون كانوا هنا»: نص وجودي، يستحضر الغياب والحضور، ويحيل إلى أثر من مضى، كأن القصة أثر نقش على جدار الزمن.
«يأكلون الهواء»: صورة قاتمة عن عبثية الحياة، حيث البشر يبحثون عن غذاء وهمي في عالم جاف يفتقر للمعنى. بقلم /حسين داخل الفضلي /مجلة دار العرب للثقافة والفنون / العراق /
مجموعة «أقنعة من لحم» تنتمي بوضوح إلى الأدب الحداثي، الذي يراهن على الرمز، الكثافة، والانفتاح على القارئ. السنونة هنا لا يقدّم حكايات تسلية، بل نصوصاً تقرع أبواب القلق الإنساني، وتثير أسئلة أكثر مما تمنح أجوبة.
القاص حسين السنونة في «أقنعة من لحم» قدّم تجربة قصصية لافتة، تؤكد حضوره في مشهد القصة القصيرة السعودية المعاصرة. هذه النصوص ليست مجرد حكايات عن أبطال عابرين، بل هي مرايا كاشفة للإنسان في لحظات ضعفه، جوعه، غربته، وحنينه. ومن هنا تأتي قيمتها الأدبية: القدرة على الإمساك بجوهر الإنسان .
«صرخة طينية»:
هذا النص يعيد القارئ إلى أصل الخلق، حيث الطين مادة أولى للحياة، لكن هنا الطين يصرخ، أي أنّ الأصل ذاته يعاني. إنها استعارة عن الإنسان المهمّش، الذي صار الطين الذي خُلق منه يئنّ. في هذا البعد، تتجاوز القصة حدود الفرد إلى رؤية كونية عن الألم المتجذّر في أصل الوجود.
«أمي تلعن النجوم»:
قصة مشبعة بالشجن العاطفي. الأم، رمز الحنان والأرض، حين تلعن النجوم فإنها تعلن غضبها على القدر، على البعيد، على المصائر التي تركت أبناءها في التيه. النجوم عادة رمز الهداية والجمال، لكن في هذا النص تتحول إلى رمز للخذلان، وهو انقلاب دلالي يعبّر عن شدّة الألم.:
«صرخة طينية» تعمّق فكرة الجوع الروحي والوجودي.
«أمي تلعن النجوم» توسّع دائرة الحزن الإنساني لتشمل العائلة والذاكرة والقدر.
وهكذا، يقدّم حسين السنونة ذاتي بالكوني، في بناء قصصي شديد الإيحاء.