شاعر للإيجار
قصة قصيرة
رغم شاعريته لم يجد من يقدر موهبته ويحتضنها، الشهرة تحتاج إلى علاقات وصلات قوية توصله إلى الصحافة والقنوات الفضائية ومن أين له هذا وهو الساكن في الأحياء السكنية الفقيرة في بيت متهالك عبارة عن غرفة منام وصالة ومطبخ وحمام ، يعيش فيه منذ أدرك الحياة بعد وفاة والده طفلا لم يتجاوز عشرة أعوام فأضطر إلى ترك الدراسة والعمل في ورشة لتصليح السيارات ليعيل أمه وأخته فوالده البائع المتجول لم يترك لهم شيئا من حطام الدنيا سوى هذا البيت المتهالك الذي ورثه بدوره عن أبيه وكان ملاذهم الوحيد، طور نفسه بنفسه فكان الكتاب رفيقه وصديقه الذي يسري عنه هموم الحياة ومشاكلها التي لاتتركه، بدأ ينظم الشعر ويلقيه على مريدي المقهى فيلاقي التصفيق والتشجيع واحيانا التهكم والسخرية ممن حسدوه على موهبته، ذاع صيته في الأزقة فكان يلاقي الترحيب أينما حل بل أصبح أصحاب الفرق الشعبية يطلبون منه القصائد المغناة ليغنوها في الأفراح والمناسبات مقابل مبالغ مادية ، لم يعد يهتم لبلاغة مايكتب طالما يكسبه الشعر الرخيص المال ويحسن من حالتهم المادية ويخرجه من دائرة الفقر والعوز التي خنقته، أخذ بعض الشباب يتردد عليه ليبيعهم مايكتب وقد أصبح البعض منهم زبائن دائميين لديه فأخذت دائرة معارفه تتسع وأخذ الحالمين بالشهرة والمدعين للأدب من ميسورين الحال وأصحاب المكانة الأجتماعية المرموقة يطرقون بابه ويشترون قصائده لينسبوها لأنفسهم أو ليسقطوا في حبالهم المزيد من الفتيات اللواتي تأسرهن الكلمة الجميلة والرومانسية ، برر لنفسه فعله هذا بأن الوقوع في الخداع ذنبهن وسوء تربيتهن فلو أحسن الأهل فعل ذلك لما أندفعن خلف عواطفهن ولم يفكرن بنتائج أفعالهن، الفتاة وحدها من تتحمل عاقبة عملها وإنجرارها خلف كلمات الحب وتصديقها، فتلك أخته التي أصبحت شابة جميلة جامعية لم يغرها الكلام المعسول الذي تسمعه من هذا وذاك ،حافظت على نفسها وهي خير مثال على صدق مايقول،بينما هو مستغرق في تفكيره وتبريرارته لنفسه طرق باب البيت في تلك الساعة المتأخرة من الليل، كان الطارق أحد ابناء حارته بصحبة شاب بهي الطلعة تبدو عليه مظاهر الغنى فسيارته الفارهة التي تركها بعيدا ولم يستطع أن يدخلها لضيق الزقاق تدل على حالته المادية الجيدة وتلك الميدالية التي وضع فيها مفاتيح سيارته تبدو من الذهب الخالص ، دعاهما للدخول ولكن الشاب كان يبدو مشمئزا من دخول بيته والجلوس فيه، شرح له الشاب الغني حاجته لشعره الغزلي الرقيق ليوقع في شراكه فتاة حسناء استعصت على الجميع وقد علم حبها الكبير للشعر فوجد بخبرته المتراكمة المفتاح للولوج إلى قلبها ، طلب منه أن يكون الشعر غير مبتذل يزخر بالعواطف والأحاسيس الصادقة لايذكر فيه تقاطيع الجسد ولايتغزل فيها فالفتاة محجبة شديدة الإعتزاز بنفسها ليركز على الروح وجمالها وليكن شعره عذريا، نقده مبلغا كبيرا ووعده بزيادة المبلغ إذا أثر شعره فيها وظهرت نتائجه واستمال قلبها نحوه، وقد وفى بوعده عندما كان يتصل به لطلب قصيدة جديدة، وعن طريق هذا الشاب الغني تعرف على أصدقائه فتوسع عمله وجرى المال في يده وتحسنت ظروفه المادية بشكل كبير فأغدق على أمه وأخته بالعطاء وكان في غاية السعادة وهو يرى أخته تشتري ملابسا أنيقة وغالية تليق بها وبجمالها فتبدو مشرقة أكثر وتلمع عيناها بسعادة كبيرة عزاها لتحسن ظروفهم، في صباح أحد الأيام نقد أخته مبلغا جيدا من المال قبل ذهابها إلى الجامعة كان قد تحصل عليه من بيع أحدى قصائده للشاب الغني طالبا منها أن تشتري به ماتريد، خرج لعمله الجديد فقد إفتتح ورشة لتصليح السيارات كبيرة وحديثة وأصبح تحت إدارته عددا من العمال يأتمرون بأمره، في المساء عاد إلى بيته وما إن دخل الزقاق حتى سمع أصوات الصراخ والعويل، أصاخ سمعه فكان الصوت قادما من بيته اندفع راكضا ،أزاح جموع الناس المتجمهرة خارج الدار ، دخل البيت وقد تملكه خوف شديد فقد تبادر إلى ذهنه وفاة والدته التي كانت تعاني من مرض مزمن أتعبها وسلبها قوتها، صعق عندما رأى جسدها يتدلى من السقف وقد التف على رقبتها شال رأسها جاحظة العينين مفارقة للحياة، أحتضنها وهو يحاول إنزالها فربما يستطيع أن يجد فيها رمق من حياة، راح يصرخ كالمجنون لماذا؟ لماذا؟ وهو لايدرك ماالذي دفعها للأنتحار، كانت نتائج التشريح صادمة ، دفن جسدها وعاد منكسرا إلى بيته وقلبه يكاد ينخلع ، دخل غرفتها وأخذ يبحث في خزانتها عن دليل فلم يجد شيئا اعترته نوبة بكاء هستيرية بعثر كتبها وألقاها على الأرض ثم جلس طويلا بلا حراك ، عندما هم بالنهوض والمغادرة استرعت انتباهه ورقة سقطت بالقرب من أحد الدفاتر فزحف نحوها ليلتقطها اتسعت حدقتا عينيه حال قراءتها، تلك الورقة قصيدته التي باعها للشاب الغني ليلة البارحة، ماالذي أوصلها لأخته، عض على أصابعه بقوة هل كانت أخته هي الفتاة المقصودة ؟ هل كانت قصائده وكلامه المعسول سببا في إغوائها ثم موتها؟ هل كان هو السبب بما حدث لها وفقدها لعفتها وسقوطها فريسة تحت براثن هذا الشاب بأسم الحب ، ضاقت في عينيه الدنيا ، جمع دفاتر أشعاره، جلس في منتصفها، أوقد النار فيها وراح يراقبها وهي تلتهمه.
ليلى احمد
العراق -واسط

