الحافلة
أيقظني من شرودي جلبة تدافع، حاولت الركض إليه برشاقة، وصعود درجاته بمهارة، ولكنني انتبهت إلى صوت خلفي: أرجوك يا عم أسرع قليلاً سيتحرك الباص.
مد شاب يده باتجاهي: هات يدك أساعدك في الصعود.
قام أحد الفتية وقدم لي كرسيه: استرح يا حاج.
جلست وأنا أسمع صوت أنفاسي...
لفت نظري يد مستندة على الكرسي أمامي مليئة بالتجاعيد، ذات عروق نافرة، و فيها لطع ملونة، بحثت عن صاحب اليد أدركت بأنها يدي!...
سحبتها بهدوء، وأنا أتابع صعود شابة بارعة الجمال. وضعت نظارتي وأنا أرى كيف تعلقت العيون بها.
رسمت ابتسامة وأنا أحاول الوقوف لمنحها مقعدي:
- شكراً ياعم.
دفعتني برفق لأجلس، ووقفت بثقة غير آبهة بنظرات الشباب الشبقة وتلميحات الفتيات الملغومة.
أصابني بعض الحرج، ولكن وبنفس الوقت شعرت أن قلبي لايزال شاباً يخفق لكل جميلة.
كان الباص وسيلتنا الوحيدة في التنقل، أركض خلفه، أقفز إليه، وهو واقف، وهو يتحرك، مكتظ بالركاب، أم فارغ . أتعلق بالعارضة الأفقية عند الزحام، حتى أفوز بمقعد خاو.
تنتشي روحي بصعود إحدى الجميلات، فأسبق الجميع كي أمنحها مقعدي آملا أن أحظى بابتسامة، أو كلمة شكر . أقف بمحاذاتها أتأمل تقاطيعها المرسومة بدقة فنان انطباعي، عندها أتمنى أن تتوقف ساعة الزمن، لا بل لا أريد أن أصل إلى وجهتي ، وأن تستمر الرحلة للأبد... ولكنها تنتهي بمجرد نزولها، ليبقى هفيفها يحوم في ردهات الروح.
توقف الباص فجأة أعادني للواقع.
آه لقد وصلت مقصدي ولابد أن أنزل.
تحركت بتؤدة ،جسدي لم يعد يطاوعني. انتظرت حتى توقف الباص تماماً كي أضمن توازني القلق.
رنين هاتفي الجوال أيقظني من سهوتي:
- أين أنت؟.
- تأخرت كثيراً.
- هل جلبت الأغراض؟.
- لماذا لم ترم كيس القمامة؟.. أغلقت الهاتف، تلفت حولي، شددت قامتي، أخفيت النظارة في جيبي، ومشيت بثقة. ألقيت نظرة أخيرة إلى الخلف. كانت الحافلة تبتعد وتبتعد ...وتبتعد.
