-->
مجلة دار الـعـرب الثقافية مجلة دار الـعـرب الثقافية
recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...
random

قالت : 19 ..... د . أسامه مصاروه

 قالت:

19

د . أسامه مصاروه



حبيبي، أنا في حالةٍ عصبيّةٍ شديدةٍ، وليسّ لي إلّاكَ صديقٌ وحبيبٌ أبُثُهُ مشاعرَ الحزنِ والكبتِ والقهرِ والإحباطِ.
قلْ لي حبيبي كيفَ للإنسانِ أنَ يخونَ صديقَه، زميلَهُ، زوجَهُ، أهلَهُ والطامةُ الكبرى كيف له أن يخونَ وطنَهُ؟
أخبرني يا حبيبي فأنا أعتمدُ وأنت تعرفُ ذلكَ، على ذكائِكَ، فكرِكَ وثقافتِكَ، أخبرْني هلّ يولدُ المرءُ خائنًا؟ أيْ هل الخيانةُ طبعٌ جُبِلَ عليها الإنسانُ، أمْ أنّها عادةٌ مكتسبَةٌ؟ هلْ هي موروثةٌ؟ هل لها ما يُبرّرها وبالتالي نغفِرُ لمرتكبِها ونسامحَهُ؟
أنا شخصيًا لا أعتقدُ أنَّ اللهَ يخلقُ إنسانًا خائنًا، أيْ يولدُ خائنًا؟ إذا كانَ الأمر كذلك، نستطيعُ القولَ إذًا إنَّ فلانًا وُلِدَ كاذبًا، وفلانًا مُجرِمًا وآخرَ منافِقًا وَهلُمَّ جرّا.
ثمَّ أخبرني أيُّها الحبيبُ العزيزُ، هل الخيانةُ واحدةٌ أمْ أنّها متَعدِّدَةُ الأنواعِ؟ هلْ تستوي خيانةُ الوطنِ والخياناتِ الأخرى؟ أيْ مثلُها كمثلِ خيانةِ الصديقِ أو الزوجِ أو الشريكِ في مصلحةٍ على سبيلِ المثالِ؟
حبيبي لديَّ الكثيرُ من الأسئلةِ التي تفجِّرُ رأسي، ولا أدري لماذا فجأةً ضجَّتْ في ذهني دفعةً واحدةً. هلْ يستطيعُ المرءُ النجاةَ من الغرقِ إن احاطتْ بهِ عدةُّ فيضاناتٍ غي آنٍ واحدٍ؟ أو كيفَ ينجو من وحوشٍ تنهشُ لحمَهُ من كلِّ جانبٍ؟ أجل يا حبيبي، هناكَ أسئلةٌ أكثرَ شراسةً من الوحوشِ، أسئلةٌ نهمةٌ لا تشبعُ مهما قُدِّمَتْ لها إجاباتٍ لا تُغني ولا تُسمِنُ من جوعٍ.
لعلَّ ما أثارَ هذه الأسئلةَ الهوجاءَ إعدامُ أحدِ جيرانِنا صباحًا لاتّهامهِ بالخيانةَ العُظمى أي خيانَةِ الوطنِ. وللأسف الشديدِ اعتدْتُ أن أرميكَ بتساؤلاتي، فمعذرةً يا حبيبي ليسَ لي إلّاك عونًا في مثلِ هذه العواصفَ.
أُحبُّكككككككككَ.
قال:
حبيبتي لقد قيل الكثيرُ عن الخياناتِ، وكما قلتِ صادقةً خيانةُ الوطنِ أشدُّها شرًا وقُبْحًا وكُرهًا واشمئزازًا، وهي خيانةٌ لا تُغتَفرُ بأيّ شكلِ من الأشكالِ. ومع أنّ الخياناتِ متفاوتةُ لدى الناسِ، فمنها ما يمكنُ تجاهلُهُ، تجاوُزُهُ، حتى تبريرُهُ، وبالتالي المرورُ على ذلك مرورَ الكرامِ، إلّا أنّ القانونَ أو الشرعَ أو الأعرافَ أو التقاليدَ المُجتمعيّةَ، كلَّها ترفضُ رفضًا قاطعًا خيانةَ الوطنِ، ولا ترى عقابًا لمرتكِبِها سوى الإعدامِ. إنْ دلَّ هذا على شيءٍ فإنّما يدلُّ على مدى تقزّزِ واشمئزاز واستنكار الناسِ بكلِّ المعاييرَ والمقاييسَ لجريمةِ خيانةِ الوطنِ. وقد بيّنَ اللهُ سبحانَهُ وتعالى موقفَهُ بقولِهِ "إنَّ اللهَ لا يُحبُّ الخائنينَ."
وخائنُ الوطنِ لا مبرِّرَ لخيانتِهِ إطلاقًا، مهما ساءتُ ظروفُ حياتِهِ وضاقتْ عليهِ سُبُلُ العيشِ. خيانَةُ الوطنِ يا حبيبتي هي أسْفلُ دركِ ينحدرُ إليْهِ الخائنُ. حتى أنَّ مَنْ خانَ وطنَهُ لأجلِهم لا يثقون بِهِ ولنْ يثقوا، وسوف يقضونَ عليه عندما ينهي مهمّتَهُ التي كُلِّفَ بهِ. هل يثِقُ أحدٌ بمنْ خانَ وطنَهُ؟
ودعيني أوضّحُ لكَ أكثر رأيي في الخونة وهم كثْرُ في أهلنا وشعبنا وقومنا وقد يجهلونَ أنّهم خونةٌ أو يتجاهلون. للأسف الشديد هناك من يفسّرُ الخيانةَ على هواه، يعني حسبَ مصالحِهِ أو أجنداتِهِ السياسيّةِ أو الحزبيّةِ أو الطائفيّة أو الدينيةِ وما إلى ذلكَ.
دونَكِ بعض الأمثلةِ: إذا وضع الحاكمُ أمرَ بلادهِ في يدِ عدوّها طلبًا لحمايتِهِ، أليسَ الحاكمُ بخائنٍ وطنَهُ؟ أجلْ هو كذلكَ. إذا حرصَ منتفعٌ على إطاعةِ حاكمِهِ الظالمِ الفاسدِ السالبِ لحقوقِ شعبِهِ والناهبِ لخيرات بلدِهِ طمعًا في نيل مكرمةٍ دنيئةٍ خبيثةٍ، أليسَ هذا بحائنٍ وطنَهُ. أجلْ هو كذلكَ. إذا دعا خطيبُ مسجدٍ ما بالخير لطاغيةِ بلادِهِ كلَّ يومِ جُمعةٍ من على المنبر، أليسَ هذا بخائنٍ؟ أجل هو كذلكَ. إذا كانَ همُّ قائدِ الجيشِ وولاؤهُ فقط لمغتصبِ حقوقِ شعبهِ ومستعبِدهم ومُذلِّهمْ، أليسَ هذا بخائنٍ وطنَهُ؟ أجلْ هوَ كذلكَ.
إذا صمتَ مواطنٌ وسكتَ على ظلمٍ أصابَهُ أوْ أصابَ ابنُ وطنِهِ من مسؤولٍ، سواءً أكانَ في أسفلِ السلَّمِ الوظيفي أو في أعلاهُ، أليسَ هذا بخائنٍ؟ والقائمة تطولُ وتطولُ وتطولُ يا حبيبتي، والمصيبةُ أنّنا نتعجّبُ لماذا يقبعُ العربُ في الدركِ الأسفلِ من سلّمِ الشعوبِ.
معَ كلِّ هذا أُحبُّكككككككككِ.

عن محرر المقال

aarb313@gmail.com

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مجلة دار العرب نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد االمقالات أول ً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

مجلة دار الـعـرب الثقافية

مجلة عراقية . ثقافية . أدبية

احصاءات المجلة

جميع الحقوق محفوظة لمجلة دار العرب الثقافية - تطوير مؤسسة إربد للخدمات التقنية 00962788311431

مجلة دار الـعـرب الثقافية