لم تكن النجوم قد اخذت وهجها ولمعانها التي تتباهى بها بين الكواكب البعيدة، والديكة التي توقظ النائمين بصياحها كانت غافية بجوار دجاجاتها السِمان، وكلاب الحراسة قد اسدلت اجفانها وتركت اللصوص يسرقون ما خَفَّ حمله وغلا ثمنه، أمّا نشوة السكارى فكانت باقية في الرمق الأخير من الكأس، كان كل شيء يوحي له ان هذا الليل قد لا ينبلج له فجر جديد، فعقارب الساعة متوقفة على الساعة الثانية بعد منتصف القلق والوقت لم يتزحزح منذ انطفاء السيجارة الاولى ولغاية اشعاله السيجارة الخامسة بعد العشرين، يتقلب في فراشه والنُعاس فارق عينيه.. ليس بيده شيء يفعله حتى يزيل عنه هذا القلق، انه قلق على محبيه الذين فارقهم منذ زمن طويل، حاول أن يشغل نفسه باستذكار اوقات قضاها معهم، لكنه لم يفلح، حاول مرة ثانية ان يستذكر بعض من محطات عمره، حتى ذكرياته كانت غير منتظمة ! تداهمه ذكرى جميلة في أيام الطفولة لتلحقها أُخرى مؤلمة طالما أراد نسيانها، تقفز في ذاكرته لحظات كان قد نساها منذ زمن طويل، أراد أن ينهض، لكن.. اين يذهب في هذا الليل البهيم؟
اقترب من نافذة روحه التي بزغ منها نور أضاء قلبه، فلاحت له ابتسامة باهتة على محياه حين تذكّر إنّ من شَغَلَ نفسه بِهم يغطّون الآن بنوم عميق ويحلمون بأحلامهم السعيدة، عندها أحسَّ بالسعادة وشعور غامر بالأِرتياح فأسدلَ جفنيهِ بهدوء….. ونام.
انتهت.