وميض العتمة
هرعت إليه حين سقط عكّازه، متلمساً عبور الشارع الذي يختنق بعشرات السيارات مسرعةً تسابق الزمن... سحبته بلطف إلى الرصيف حاملةً عكّازه..
- تمهّل، سأساعدك.
انساب صوتها دافئاً، متسلّلاً إلى عروقه؛ فأنعشها... ارتاح لملمس يدها الناعمة، تمنى أن تطول اللحظات ممسكةً بيده... ولأول مرّة يغصّ بأمل موؤود، أن تضيء عيناه ويرى وجهها... اعتاد العتمة منذ فقد بصره صغيراً في حادث دهس، بل وارتاح لذلك؛ فقد أعفته من رؤية قبح الوجوه وتلونها... يعيش عالمه الهادىء مستكيناً راضياً... لكنه الآن يرفضه، يريد أن يرى الوجوه، وجهها هي بالذات، تلك التي أنعشت برعماً في قلبه كاد يذوي.
- صوتك له رنين جميل وعذب.
قال باستحياء، ونار تلتهب في وجهه... ابتسمت..
- ووجهكِ.
- ما بهِ..!
- جميل حتماً كصوتك.
شرقت بغصتها.. تسابقت دموعها تجيب بصمت وهي تتلمس أخاديد حفرتها نار الحامض الحارق الذي قذفه في وجهها زميلها في الجامعة، ذلك العاشق السمج الذي رفضته.
بحركةٍ مفاجئة مدّ يده يتلمّس وجهها، انتفضت..
- لا… حذار أن تفعل.
صوت متشنّج فقد كلّ رنينه اخترق مسامعه، جفل، سقط عكازه… وذوى البرعم الوليد.. ..