مساراتُ النورِ نوافذُ حياة .. بقلم / مرام عطية
بلمسةِ حنانٍ من يدي نايٍ شجيٍّ استيقظَ الوطنُ بعد نومٍ طويلٍ حكيماً وقوراً، أطلقَ سراحَ البوحِ الرهيفَ في حناجرِ العصافيرِ ، لوَّنَ تلالهُ بقزحِ الحبورِ ، بعد أن نفضَ عن أجفانِهِ غبارَ الكرى ، شيَّعَ أحلامهُ الورديَّةَ كما تشيِّعُ العروسُ أحلامها السَّواحرَ ، توقظها مطرقةُ الإهمالِ ، تدقُّ بابَ سعادتها الشفيفَ، فتحَ عينيهِ على خرابٍ فظيعٍ ، كادَ يودي بهِ في وادٍ بهيمٍ ، لو لم ينقذهُ إلاَّ مدرسةُ الكادحين الرائدةُ ، أصغى برهافةِ الطالبِ المجدِّ إلى مقالةِ الفلاحِ الذي خسرَ نتاجهُ بعدَ أن جمعهُ ، وخزّنهُ في أكياسٍ بعيداً عن الهواءِ والشَّمسِ :( ليتني ما أغلقتُ مساراتِ النورِ ، ونوافذَ الأثيرِ عَنْهُ ، فالسُّوسُ والدودُ نخرَ نوى حبَّاتِ القمحِ بسببِ الاحتباسِ الصهدِ ، لقد وصلتُ إلى المعركةِ الأشرسِ ، يالألمي !!
لقد تعافتْ وريقاتُ زروعي من جرحِ الصقيعِ ، واشتدَّ عودها وهي تصارعُ الريحَ ، ولكنها تفنى الآنَ من العفنِ السامِ في التربةِ الذي يصلُ معَ الجذرِ إلى الفروعِ )
قالَ الوطنُ في نفسهِ : لم أكنْ أَعْلَمُ أنَّ عليَّ أن أحبَّ أبنائي
أكثرَ ، حتى لاأركعُ لعدوي ولا أخسرَ أمام جيوشِ أطماعهِ ، فلا أشربُ كأسَ الندمِ حين تحاربني الأممُ ، كان عليَّ أنْ أضمَّهم بتحنانٍ إلى صدري ، أصغي برهفٍ لشكواهم ، أمسحُ عن عيونهم الدمعَ ، أفتحُ شرفاتِ الفكرِ للنورِ، أزرعُ فيها مشاتلَ الحبِّ ، و أنثرُ بذورَ الفرحِ ؛ ليتفتحَ زهرُ الإبداع ، كان عليَّ أنْ أهيئ لهم مراكبَ النجاةِ ؛ ليصلو ا إلى جزرِ السعادةِ ومدائنِ الجمالِ في العالم .
أحبُّكَ ياوطني أميراً قادماً من بلادِ المستقبلِ البهيةِ ، تكنسُ غبارَ الوهنِ عن جسدكَ الأخضرِ يعودُ إليك الألقُ ، تعانقُ شموخَ قاسيونَ يضُّمكَ أرزُ لبنانَ ، تداني بالياسمين سومرَ تزيِّنكَ معلقاتُ بابلَ بالرطبِ ، و تهاتفُ بالشَّوقِ أهراماتِ مِصْرَ،
يغسلكَ النيلُ بالتوليبِ والبنفسجِ ، فاستحمَّ بحضارةِ الفكرِ
يكلِّلكَ الضياءُ ، اقرعْ أجراسَ الحبِّ يخفتْ صوتُ الحقدِ ، قشِّرْ حراشفَ التَّسلقِ على نخلتكَ السامقةَ ، و تقلَّدْ جمانَ العلمِ ترقَ صروحَ المجدِ ، و تعشب صحراؤكَ ، فتغدقْ كرومكَ خوابي النبيذِ ، و تنصبَّ أنهارُ زيتونكَ ، فتنقذْ أولادكَ من منحدراتِ البؤسِ و مستنقعاتِ التعاسةِ .