خيط برزخي يفصل بين سواد الواقع وبياض التمني
دراسة نفسية
بقلم الأديبة العراقية / جمانة الزبيدي
لنص * صحوة *
للأديب المصري/ محمد البنا
......................
النص
صحوة
............
استيقظت فجرًا على غير عادتي، تفاجأت باختفاء جسدي، تحسست الفراش..ولدهشتي كان لا يزال دافئا!..تحاملت على ساقين لا وجود لهما، وهرعت نحو مرآتي؛ لا انعكاس لي!!..مسحت بكفين متوهمتين سطحها..علّ وعسى، كانت المرآة ناصعة ينعكس فيها كل ما خلفي، أو على وجه الدقة كل ما أعتقد أنه خلفي..أراه بوضوح، إلا أنا!!..بأناملي فركت عينيّ متسائلًا " هل أنا يقظ؟.. هل أنا أحلم ؟ "..عاودت تفحص المرآة..هذه المرة لمحت دمعتين، ابتسمت رغم غصة ألمت بقلبي؛ حين تعاظمت الدمعتان، حينها فقط أيقنت أنني لم أكن أحلم، أيقنت أنني هو..ذاك الذي اختفى للأبد..رغم دفء فراشه.
محمد البنا ..مصر ١٧ مارس ٢٠٢٢
...............
القراءة
(بين ميتافيزيقيا المغادرة وطوبولوجية منسلخة خيط برزخي يفصل سواد الواقع عن بياض التمني)
الروح تلك الهوية المثيرة للجدل ،والماهية المتشرنقة بجلباب الذات ،مالذي تسعى إليه؟
ومالذي يقيدها؟
وماهو القاهر لوجودها المطلق الإمكان؟
وهل ترغب حقا أن تتلاشى، أم إنها قوة الفناء التي لاتبقي ولاتذر ترغم أنفها؟
أحلامها وأمنياتها حسرات وتنهدات تتعاقب بتعاقب سنيها المحدودة فهل ترضخ في نهاية المطاف وتنسلخ -مرغمة-عن كل ماتتعلق به ؟
كينونتها الوقتية وطوبولوجية المكان الذي تشغله ردحا من الزمن هل تشبثها به يرغمها على أن تحوم حوله؟
فلسفة الماورائية ومابعد الطبيعة كل هذه الأمور يثيرها النص المشهدي القصير الذي تناوله الأستاذ البنا لرحلة -فجائية- لروح تأبى أن تعترف برحيلها.
يبدأ المشهد بأستمرارية مركبة الحركة( أستيقضتُ)
حيث ضم القاص الضمير(تاء الفاعل العائد على المتكلم) للفعل الماضي ليرغمه على تحقيق البقاء . كما لم يفت الكاتب ايضا أن يمد الصراع القائم بين جبرية وحتمية الفناء وتمنيات البقاء بأستخدام الفعل الماضي المبدوء بالتاء ( تحاملتُ )إذ كما هو معروف عند أرباب اللغة أن الفعل الماضي المبدوء بالتاء يتأتى به للمطاوعة ، زيادة للتأكيد على غصب الحدث على الأستمرارية..ليتوالى بعدها القمع الفعلي بقوة الضمير ( تفاجأت ُ ،تحسستُ، تحاملتُ ) كلها دلالات على إرضاخ جبري مُورِسَ من أجل بقاء عبثي.
المرآة ذلك الأنعكاس الثابت كدليل على تنفس الحياة ،إستخدام وتوظيف ذكي يوائم المغزى من المشهدية المطروقة... (لا أنعكاس لي) (كل ما ورائي أراه بوضوح إلا أنا )فنائية محتمة وهوة سحيقة تجر بالقارئ إلى صراع البقاء كما أحكمها الكاتب وأوثقها بذكاء وتمرّس.
تحتدم الاحداث النفسية المتصاعدة بحديث الروح والذات وكأنهما مركبين متماهيين لا ذاتا صمدية
(فركتُ عيني)
-هل أنا يقظ؟
-هل انا أحلم؟
لنصل إلى ذروة اليقين حين تعاظمت الدمعتان وأيقنت الروح أنها قد غادرت رغم دفئ فراشها
إلى أين يشدنا الكاتب؟
وإلى أي مرمى يقذف بأفكارنا اللاهثة وراء ماهية تتجاذب الجدل بين فناء وبقاء؟
هل تعلق الأرواح بمكانها وحنينها إليه يجعلها رهينة برزخ بين عالمين متوازيين؟
أم هي سطوة لتناسخ الأرواح-رغم تمنّع التناسخ بالقص- في فكر الكاتب صدّرها بحرفية لذهن القارئ؟
أو هي حالة نفسية مرّت بروح الكاتب فقدحت في فكره بلورة مشهد يتيم يحمل بين طياته أسئلة تُطرح ولا ترغب بالإجابة.
جمانة الزبيدي..٤ مايو ٢٠٢٢